محمد آل الشيخ
غني عن القول إن قناة الجزيرة الفضائية هي قطر وقطر هي قناة الجزيرة، فلا قيمة لقطر ولا وزن لها بلا هذه القناة التلفزيونية الفضائية. وغني عن القول أيضا أن قناة الجزيرة اليوم انحدر مستواها ومستوى تأثيرها كقوة ناعمة، تستطيع أن تخلق رأيًا عامًا، تخاف منه الدول وتتحاشاه. وأدق دليل على ذلك برنامجها التعيس التي قدمته في طرح وثائقي بعنوان (ما خفي أعظم)، ويبدو أنها صرفت على إنتاجه الملايين، غير أنه مر مرور الكرام، ولم يحقق ما حاول القطريون أن يقدموا فيه تبريرًا لبواعث عداوتهم وتحريضهم على الدول الأربع التي قطعت معهم كل العلاقات السياسية وحتى القنصلية، ويحتوي هذا الفيلم على فبركة، وادعاءات، أن هذه الدول قد عملت على التدخل في الشأن القطري، ومحاولة عودة الأب خليفة إلى سدة الحكم. فشل هذا البرنامج الوثائقي يعود في الدرجة الأولى إلى أن الحبكة فيه كانت ساذجة إلى درجة مضحكة، حتى لدى القطريين أنفسهم، الأمر الذي جعل النظام الحاكم يستميت للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه، من خلال تصرفات الأمير الأب، الذي اعتقد يومًا ما أن بإمكان قطر من خلال قناة الجزيرة والتحالف مع جماعة الإخوان أن يسيطروا على العالم العربي من الخليج إلى المحيط. فشل قطر يعود في الدرجة الأولى أنها دولة بلا جغرافيا ولا تاريخ ولا شعب، إلا أولئك المصفقون لها من عرب الشمال، وفلول جماعة الإخوان.
فشل قناة الجزيرة تعني بالمختصر فشل قطر، وهذا الفشل يبدو أنهم لم يستعدوا له، ويجعلوا لهم خط رجعة، فقد كان رهانهم، أو بلغة أدق رهان الأمير الوالد رهانا صفريًا، وكان من الطبيعي والطبيعي جدًا أن يحاولوا احتواء الأزمة، وتطويقها، وعدم التصعيد، والرضوخ للحقيقة ولو كانت مرة، أما العناد والمكابرة والإمعان في الحرب الإعلامية، فلن تزيد الطين إلا بللا، وأزمتهم إلا تفاقمًا.
المملكة أعلنت مؤخرًا أنها اتخذت قرار بإلغاء الحدود البرية مع دولة قطر، وهذا يعني أنها تحولت من شبه جزيرة على الساحل الغربي للخليج العربي، إلى جزيرة، تحيط بها مياه الخليج من كل جانب، بعد الإعلان عن حفر قناة سلوى البحرية بطول ستين كيلو وعرض مائتي متر وعمق ثلاثين مترا، وليس لدي أدنى شك أن تنظيم الحمدين، وعلى رأسهم مستشارهم «عزمي بشارة» لم يدر في خلدهم قرار تصعيدي خطير كهذا، لأنهم لو كانوا (عقلاء) لأدركوا أن جميع الأوراق السياسية والاقتصادية والجغرافية في يد الحلف الرباعي، وأنهم (منفردين) هم الخاسرون، سيما وأن هذه الدويلة الصغيرة التي هي الآن تعوم على مياه الخليج، دونما حدود برية، كان يجب أن تعرف حجمها، ومدى قوتها وقدراتها، وبدلا من المكابرة والمواجهة وشن حرب إعلامية كلامية لا تغني ولا تسمن من جوع، فقد كان الأحرى بها أن تعترف أولا بأنها فعلا كانت (دولة مؤذية)، وتدس أنفها في قضايا الآخرين، وأن هزيمتها في الربيع العربي، ومعها جماعة الإخوان المتأسلمين، يحتُم عليها عقلا وموضوعًا أن تحني رأسها للعاصفة، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى التهدئة، والقبول بالأمر الواقع، غير أنها واجهت وهي لا تملك إلا قناة فضائية كسيحة، ينافسها في الساحة الإعلامية الإخبارية كثير من القنوات، فضلا عن أنها انحطت مصداقيتها، ومهنيتها إلى الحضيض.
وكما يقول كثيرون إن قناة سلوى البحرية التي فاجأتهم، ليست سوى أول القطر، فالقادم أدهى وأمر.
إلى اللقاء