أحمد فلمبان
مع شغف الطلائع والمواهب الشابة في تعلُّم الرسم وأنواع الفنون الجميلة، ظهرت على السطح الإعلانات المفخمة عن تنظيم دورات فنية وورش لتعليم الفنون تحت مظلة بعض الجهات والصالات الفنية!! وأصبحت هذه الحالة ميدانًا للعبث والتدليس، ومجالاً للمتسكعين في دهاليز الفن، ولمن ليس له علم بالفن ولا بالرسم، وتم استغلالها بقوة، ولقيت رواجًا واسعًا بين الطامحين للشهرة بسبب (فلتان) الساحة التشكيلية، وغياب الرقابة والمعايير.. وهي في الواقع لا تسمن ولا تغني من جوع، وطريقة خاطئة، لا يستفيد منا المتدرب؛ لأن في معظمها اجتهادات فردية من معلمي الرسم أو من بعض أشباه الفنانين، هم ذاتهم يحتاجون إلى التعلم؛ لأن هناك فَرقًا بين الممارسة الفنية والأستذة (مثل النظام في التعليم؛ لا يمكن لأي شخص ممارسة التدريس مهما كان مؤهله ما لم يحمل شهادة تربوية تخصصية)؛ فالفنان الممارس مهما كان مستواه وموقعه على خارطة التشكيل لا يمكنه التدريب حتى لو كان معلمًا للتربية الفنية؛ لأنه سيجني على الطلائع بتقمصه دور المدرب، ولكن يمكنه التعريف والإيضاح للمهتمين بفنه وشرح أسلوبه؛ فتدريب الفنون يحتاج إلى مؤهلات، لا تقل عن الماجستير في الفنون الجميلة، ودراسات فنية معمقة، وخبرة عملية في مجال الفن، لا تقل عن 15 سنة، وفي مجال التدريب لا تقل عن 5 سنوات، ولديه شهادة حضور دورة تدريبية وإعداد مدرب لا تقل عن 20 ساعة، إضافة إلى الثقافة الأكاديمية والمخزون الثقافي بتاريخ الفن والحضارات والأساليب الفنية ونظرياتها، والإلمام بالتقنيات والخامات، والاستعداد النفسي والجسدي، وكفاءته في التدريب بغية إكساب المتدربين الفائدة والمعرفة الفنية والحرفية على أساس علمي سليم، وثقافة معرفية صحيحة، إضافة إلى قدرة المدرب على تنمية المهارات الإبداعية والابتكارية لتحقق الأهداف المنشودة، بما يساعدهم على الاختيار الأمثل، بما يتلاءم مع استيعابهم وقدراتهم. وعادة الدورات الفنية تحتاج إلى مدة لا تقل عن 9 أشهر، بواقع 8 ساعات يوميًّا لتغطية الجوانب المهمة، وتزويد المتدربين بالمعلومات والخبرات للوصول إلى مرحلة الإجادة والفائدة، التي تجعلهم يسلكون المجال التشكيلي بثبات وفاعلية، وتطوير ما لديهم من مهارات، أو يعدهم لإنتاج أعمال مميزة وأصيلة في مستقبل حياتهم الفنية, وأيضًا عملية تعديل إيجابي ذي اتجاهات خاصة لاكتساب الخبرات التي يحتاج إليها المتدربون، وليست دورات لمدة ثلاة أيام!! وهذه المشكلة تفشَّت بسبب غياب المعاهد والأكاديميات في الفنون الجميلة، خاصة إذا ما علمنا أن في مجالات الفن تحتاج إلى زمن طويل وتجارب معمقة ودراسة جادة؛ ليصبح «فنانًا»، ويواكب الخطوات المهمة في حياته المستقبلية، وينضج ويتطور ليصبح مستقلاً متمكنًا من أدواته. ومن هذا الخلل نجد أن معظم الأعمال في المعارض المحلية تدور في فلك التقليد والاقتباس والتشابه في كل شيء، بما فيها الصيغ!! ولذلك فالمطلب ملحٌّ من وزارة الثقافة والإعلام وجمعية التشكيل لوضع المعايير والضوابط لوقف هذا النزيف؛ حتى لا توأد المواهب.