ياسر صالح البهيجان
مصطلح «الابتكار الاجتماعي» ليس من المصطلحات الحديثة أو الممارسات الجديدة في المجتمعات البشرية، إلا أن الاهتمام به تزايد في السنوات العشر الأخيرة، واتجهت الدول المتقدمة إلى إنشاء مراكز وصناديق وحاضنات للابتكار الاجتماعي بوصفه إحدى الأدوات العملية لتطوير ونشر حلول فعالة للقضايا الاجتماعية والبيئية الصعبة، والتي عجزت عن حلها الطرق التقليدية المتبعة لدى الجهات المسؤولة عنها.
يركز مفهوم الابتكار الاجتماعي على الأفكار والحلول التي تخلق قيمة اجتماعية، وهي تشمل الأنشطة والخدمات المبتكرة التي يجري العمل بها لتلبية الحاجات الطارئة أو تلك التي أخذت تتعقد في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة، أو ممارسات الإنسان الجائرة تجاه البيئة.
مفوضية الاتحاد الأوروبي تعرف الابتكار الاجتماعي بأنه «تطوير أفكار وخدمات ونماذج جديدة للتعامل بشكل أفضل مع القضايا الاجتماعية»، وعمدت على توسيع نطاق ذلك النوع من الابتكارات بهدف إيجاد ودعم حلول جديدة للتحديات المجتمعية.
ومن الضروري الانطلاق من فكرة أن الابتكار الاجتماعي ليس من صلاحيات أو امتيازات أي شكل تنظيمي أو مؤسسة محددة بعينها، وإنما هو نتاج تعاون مشترك بين جهات منتجة للإبداع وأخرى ممولة وثالثة منفذة، وقد تتنوع الجهات المشاركة في تلك المراحل ما بين حكومية وقطاع خاص وقطاع خيري.
حريّ بنا الإشارة لحديث الدكتور محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل، في إحدى الندوات، حيث قال «لم لا نتخيل عالمًا في المستقبل لا يوجد فيه شخص غير متعلم، عالم تنعدم فيه الأمراض الفتاكة، عندما نستطيع أن نتخيل عالماً كهذا، سنعرف كيف نصل إلى تحويله إلى حقيقة وكيف نوظف العلم والمعرفة والتكنولوجيا من أجل الوصول لهذا الهدف الحالم، تماماً كما استطعنا تفعيل العقل البشري والتكنولوجيا لتحويل أفكار الخيال العلمي إلى حقائق ملموسة، فكما ابتكرنا علمياً وتقنياً يمكننا الابتكار اجتماعياً».
وفي مجتمعنا لا تزال الابتكارات الاجتماعية الواعدة محدودة لغياب التشريعات التنظيمية والمبادرات المؤسسية، ولعلنا نقترح إنشاء مركز وطني للابتكار الاجتماعي يعمل بوصفه جهة تمويلية وتنسيقية بين القطاعات، ويتعهد بدراسة وتطوير الابتكارات وتحفيز المنشآت لجعل الابتكار عنصرًا رئيسًا في أي عملية تطويرية تروم معالجة القضايا الاجتماعية والبيئية وإيجاد حلول غير تقليدية لتوفير حياة أفضل ومجتمع مستدام.
وجود سياسات حكومية داعمة للابتكار الاجتماعي من شأنه أن يوفّر الأرضية المناسبة للانطلاق نحو حلول مبتكرة لأزمات كالبطالة والإسكان وانخفاض الأجور والرعاية الصحية والعنف الأسري والعنوسة وحالات الطلاق المرتفعة والحوادث المرورية والانحرافات الأخلاقية غيرها من القضايا الاجتماعية الشائكة التي لم تجد طيلة العقود الماضية انفراجات حقيقية نظرًا للحلول التقليدية التي لا تزال تُمارَس دون جدوى وفاعلية.
نحن حاليًا في مرحلة تحول فعلي في شتّى المجالات، وأعتقد بأن دعم الابتكار الاجتماعي يتماشى تمامًا مع رؤية المملكة الطموحة نحو مجتمع حيوي ومزدهر، ولدينا من الإمكانات البشرية والفكرية والاقتصادية والتقنية ما يعيننا على إنتاج الحلول المبتكرة بما ينسجم مع التحديات التي يعيشها مجتمعنا.