أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذا ليس عنوانًا لرسالة علمية جديدة، ولا هو بحث متخصص محكم في (علم الاجتماع الثقافي)، بل يفترض فيه أن يكون برنامج عمل ناجز، نبدأ تطبيقه في أسرنا، ونجعله منهج حياة لنا.
لقد بدأ وضع الأُطر الاستراتيجية في مؤسسات وشركات القطاع الخاص أولاً، ثم صار ضمن الأولويات الإدارية في الحكومات الوطنية والهيئات الدولية والدوائر المحلية والمنظمات الرسمية والمدنية، خاصة الإقليمية منها والعالمية. وفي طوره الثالث وصل للقطاع المدني/ الأهلي (الخيري) الذي هو (الأس) الثالث للتنمية المستدامة في المجتمعات الإنسانية قاطبة. واليوم أرى لزامًا التفكير الجاد في جعل هذا الإطار الاستراتيجي داخل أروقة بيوتنا الخاصة، وفي مؤسساتنا الأسرية، حتى نحاول جادين أن نصل بعوائلنا إلى درجة معقولة من الجودة التي ننشدها.
لقد جعل الله - عز وجل - عقد النكاح (ميثاقًا غليظًا)، لا يوازيه ولا يماثله عقد آخر في دنيا الناس؛ لذا من المفترض أن تتوَّج هذه الشراكة الفعلية بين الزوج والزوجة الموثقة بعقد غليظ برسم استراتيجية مشتركة، رأس مالها الحقيقي الأبناء والبنات؛ حتى تكون الثمار يانعة عند الكِبَر - بإذن الله -.
كثير منا - للأسف الشديد - يعتقد أن هذه المصطلحات والمفاهيم لا يمكن تطبيقها في مؤسساتنا الاجتماعية؛ فتجده ينشد الجودة في مناحي حياته المختلفة، وتبقى مؤسسته الأهم تعيش فوضى عارمة: لا قيم، لا علاقات، لا انسجام ولا تواصل وحوار.. والنتيجة فساد الثمرة حين يحين وقت القطاف، ويحل زمن الحصاد.
تُرى، ما الرؤية والرسالة التي ستضعها لأسرتك؟ ما الأهداف التي يرنو الأبوان لتحقيقها في كيانهما الصغير، سواء على المدى الطويل، أو خلال الزمن المنظور؟ وأهم من هذا وذاك: ما القيم التي يجب أن تحكم العلاقات الأسرية داخل البيت وخارجه، بين بعضنا، وحين تعاملنا مع الآخرين، سواء أكانت قيمًا دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية؟
ومن الإطار الاستراتيجي الذي حقه أن نوليه ركن هذه اللبنة الأساس في صرح الوطن العزيز وبنائه الشامخ: اختيار الشركاء الفاعلين في تحقيق استقرار الأسرة، وضمان استمرارها رغم ما قد تواجهه من تحديات وصعوبات، هي سُنة الله في هذه الحياة.
الأمر الذي أتحدث عنه ليس ترفًا، ولا هو مجرد تنظير، بل هو - في نظري - أحد متطلبات القوامة التي جعلها الله للرجل في بيته، وحمَّله مسؤولية الرعاية الكاملة لمن هم داخل أسواره «كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته».
لنفكر سوية حيال واقعنا داخل بيوتنا، أين منزلة قيمة الحب والمودة مثلاً؟ والرحمة، السرية، الصدق، الاحترام، التكاتف والتعاون، الوفاء، الحوار، التغابي والتغافل؟... وهكذا.
من جهة ثانية، مَن هم الشركاء الذين اخترناهم بعناية لرعاية هذا الكيان، وحمايته من السقوط والفشل في ذاته أولاً، ورعايته وتنشئته لنتاجه ثانيًا (المدرسة، الأصدقاء، الحي الذي نسكنه، خطيب الجمعة، القنوات الإعلامية، الأندية الرياضية والترفيهية... وهكذا). كثيرون يفشلون في اختيار الشركاء؛ فتكون الطامة. وقد يصل الأمر إلى الطلاق - لا قدر الله -.
حفظ الله كياناتنا الأسرية، وأدام أمننا الاجتماعي المجتمعي، وأصلح لنا ولكم النية والذرية. وإلى لقاء. والسلام.