د. محمد بن إبراهيم الملحم
في آخر هذه السلسلة أود أن أشير إلى الدافع وراء اهتمامي بالمدارس المتخصصة، وقد وضحته مسبقاً ولكن أؤكد عليه، أنه حلمنا بإحداث أثر للتعليم في مؤشرات النمو الاقتصادي، والذي أراه لدينا في فرص التطوير وربما الاختراع لا في الإنتاج واليد الفنية العاملة كما في آسيا أو غيرها من الدول، ذلك أن العرب آتاهم الله الفطنة والذكاء الحاد كما أشار إليه عالم الاجتماع ابن خلدون وما لم تستثمِر الحكومات في أثمن ما لديها فإن الوقت اللازم لتحقيق أهدافها سيطول أكثر وأكثر، ولا يوجد أثمن من العقل الذي وهبه الله للإنسان خاصة في زمن الاختراع والتسابق فيه... المدرسة المتخصصة ترعى النابغين والمتفوّقين والمجتهدين وتضمن تفوقهم وإبداعهم بدلاً من إخماد شغفهم، كما تسرع من دخولهم مجال العمل والإنتاج الابتكاري أي هي تسرع من الإنتاج الابتكاري أو تسرع من النمو الاقتصادي المعتمد على ذلك في نهاية المطاف، لن أزعجكم بالأرقام ولكن أطلب التوجه إلى موقع البنك الدولي وإلقاء نظرة سريعة إلى منحنيات نمو عدد العلماء لكل مليون نسمة في كل دولة من دول العالم scientists to each million فيما بين عامي 2000 و 2015 ستجد أنها منحنيات صاعدة إيجابياً لكل الدول التي تقدّمت وتفوّقت اقتصادياً أو عسكرياً خلال تلك الخمس عشرة سنة (أمريكا أوروبا سنغافورة كوريا إسرائيل... إلخ) دول الخليج ستجد أن إحداها انخفض هذا المعدل فيها مع الأسف أما السعودية فلا توجد بيانات!
أتمنى أن يأتي اليوم الذي نجد فيه مصانع وشركات تمثّل تروس آلة الاقتصاد الوطني تقوم بما يلي: تبني مدارس خاصة بها عبر المملكة من الروضة حتى الثانوية وتطبق فيها أفضل المعاييرالعالمية في الجودة سواء في المناهج أو التدريس والمعلمين أو التقييم وتطبّق فيها نظام القبول المشروط بناءً على اختبارات الذكاء لترعى فيها الطلبة ذوي القدرات الخاصة منذ الصغر وتتولى تدريسهم على حسابها في هذه المدارس حتى التخرّج من الابتدائية وتمثّل هذه المرحلة مبادرة مجتمعية منها للأطفال ذوي احتمال التفوّق ثم تعطي أعلى المتفوّقين منهم في الابتدائي منحاً للالتحاق مجاناً بمدارسها المتخصصة المتوسطة والثانوية (والمتاحة لغيرهم برسوم مع شروط مقبول بالتفوق في الابتدائي) ثم في مرحلة تالية توفر لأفضل المتفوّقين من خريجي المرحلة الثانوية منح جامعية في أفضل الجامعات مع توظيفهم لديها لقيادة العمل الإبداعي والتطويري، بهذه الطريقة تمارس هذه الشركات والمؤسسات الضخمة مسؤوليتها الاجتماعية من خلال إسهامها في التنمية الاجتماعية بشكل مباشر، كما أنها ترعى نخبة مهمة من السكان تمثّل ثروة وطنية (تهدر حالياً) وتعتني بهم، وأخيراً فإنها المستفيد الأول بتوظيفهم لديها وضمان جودة القيادات والمطورين واليد العاملة على أقل تقدير.
فوق هذا كله وإذا اتبع هذا النموذج سياسة الحفاظ على الهوية ودعم المواطنة والاهتمام بالبناء قبل التشغيل فإن مثل هذه المدارس سيبذل فيها جهداً كبيراً لتأسيس البنية التحتية بمناهج سعودية (لا ببرنامج دولي!!) بمعنى أنها ستكون مدارس تميز Schools of Excellence ولكن بنكهة سعودية محلية، الأمر الذي يعني أنها ستتجاوز مجرد نفع الطلاب إلى نفع المدارس الأخرى، حيث تمثّل لبقية المدارس (حكومية وأهلية) أنموذجاً يحتذى في كل منطقة تقريباً مما يسهل عمل من يقومون بالتطوير، إذا خرجت المؤسسة الحكومية من دور الرعاية التامة والتفيذ الذاتي إلى دور الإشراف العام والتسهيل مع فتح مساحات أوسع للإبداع وكذلك دفع القطاعات المنتجة للمساهمة الفعَّالة في البناء الاجتماعي فإن المشاريع ذات الأثر سوف تظهر للعيان بإذن الله.