ماجدة السويِّح
يتعجب البعض من زيادة عدد المواليد خلال الحروب وبعدها، وقد يتساءل البعض لماذا يميل الناس لإنجاب العديد من الأطفال على الرغم من الظروف المحيطة والصراعات، وتفاقم الظروف الصعبة لتأمين لقمة العيش، التي لا تشجع على إنجاب الأطفال وتربيتهم، في جو من الخوف والقلق وانعدام الأمان؟! بل قد يطالب البعض مع طفرة المواليد باتخاذ تدابير وقائية لمنع الحمل، حتى تنتهي الصراعات أو الحروب، فهم أشبه بماري أنطوانيت ملكة فرنسا صاحبة المقولة الشهيرة (إذا لم يكن هناك خبزاً.. لماذا لا تعطوهم بسكويتاً)!
«سوريا» اليوم مع الاعتداءات الوحشية التي تشهدها من المجرم السفاح الأسد، خير نموذج لملاحظة طفرة المواليد، ويدعونا للتساؤل عن عدد الضحايا الرضع والأطفال، الذين تقل أعمارهم عن عمر الأزمة السورية، ولماذا تولد الحرب المزيد من الأطفال رغم الألم ومرارة العيش؟!
يرى إميل دوركايم عالم الاجتماع الفرنسي في دراسته عن الانتحار أن الناس يميلون للانتحار في أوقات السلم مقارنة بأوقات الحروب والصراعات، كما أن الناس يكونون أكثر وحدةً وتقارباً في أوقات الحروب، فرغم الظروف الصعبة التي يمر بها الناس وقت الحروب إلا أنهن يتمسكون بالحياة أكثر وأكثر، فتزول الخلافات وتتوحّد الأسر والمجموعات لمقاومة العدو، وتدفعهم غريزة البقاء لإنجاب الأطفال الذين يمثّلون النور رغم الظلام الذي يكسوهم.
طفرة المواليد أثناء الحروب وبعدها ظاهرة عالمية متكررة، حيث شهد التاريخ الزيادة المفرطة في النمو السكاني، وزيادة عدد المواليد في فيتنام كانت قبل الحرب، فالعائلة الكبيرة يتراوح عدد أفرادها 12 فرداً تقريباً، حيث كانت تحتفي بالكثرة، نظراً للظروف الاقتصادية التي تحتم على العائلة إنجاب العديد من الأطفال لمساعدة الأهل في الزارعة، كما أن تلك الزيادة كانت مرتبطة بأسباب صحية بسبب نقص المرافق الصحية والأدوية والعوز، فتعمد الأسر إلى إنجاب العديد من الأطفال، لتفادي المعاناة من كثرة وفيات الرضع والأطفال آنذاك.
أيضاً بعد الحرب شهدت فيتنام طفرة في عدد المواليد، بعد فقد الغالبية من الرجال في سن الشباب، وتراجع معدل الذكور، فالزيادة كانت نتيجة لتعويض النقص، وزيادة عدد المواليد الذين كانوا الأمل لأهاليهم، فهم المستقبل والحصن المدافع عن البلد في حال تعرض لهجوم أو حرب تستهدفه.
أيضاً طفرة المواليد شهدتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلفت تلك الطفرة 4.24 مليون مولود جديد في المتوسط سنوياً بين عامي 1946 و1964م. ويفسر بعض العلماء والباحثين الارتفاع المذهل في زيادة نسبة المواليد بسبب عودة الجنود المتعبين والمرهقين من الحرب، ورغبتهم بالاستقرار وتربية الأبناء، بالإضافة لعوامل اقتصادية واجتماعية شجعت على دعم فكرة الإنجاب.
أيضاً من الظواهر اللافتة المرتبطة بالحرب زيادة عدد المواليد الذكور مقارنة بالإناث، وقد تمت ملاحظة تلك الظاهرة لأول مرة عام 1954، حيث ولد الكثير من الذكور في أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك شهدت الدول التي شاركت في الحرب تلك الزيادة في عدد المواليد الذكور، وأرجع البعض السبب لظاهرة «تأثير الجندي العائد»، على الجين المسؤول عن تحديد الجنين من قبل الرجل، أو لقضاء الجنود وقتاً أطول مع زوجاتهم، وكلها فرضيات لم تفسر هذه الظاهرة حتى الآن.