د.علي القرني
الجامعات السعودية هي قوة دافعة نحو تحقيق آمال المستقبل، وهي تمتلك تعليم وتأهيل الإنسان السعودي، وتجهيزه للمشاركة في مختلف مجالات التنمية الوطنية. ومن هنا أرى لزاماً أن تبدأ الجامعات من اليوم وليس غداً في إعادة النظر في مناهجها وخططها وبرامجها بما تناسب مع قوة الدفع التي يمر بها الوطن نتيجة رؤية المملكة 2030 ونتيجة التحولات النوعية الجديدة في المجتمع السعودي.
وما نحتاجه فعلياً هو دعوة وزارة التعليم للجامعات، وبالتالي كل جامعة تعمل على إعادة النظر في تخصصات الكليات ومسارات الأقسام، بما يحقق توجهات جديدة في العلوم والحقول الفكرية، وبما يتوافق مع مستجدات التفكير والخطط التنموية لبلادنا في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان. فنحن نعيش في الدولة السعودية الجديدة، التي تتطلب منا التكيف مع اتجاهاتها النوعية في الحياة والحكم والمستقبل.
أعلم شخصياً أن بعض الجامعات شرعت في مثل هذا التوجه نحو إعادة رسم هوية تخصصاتها وبرامجها في ضوء رؤية 2030، بما فيها جامعة الملك خالد، وتحديداً بحكم علاقتي الوظيفية مع قسم الإعلام والاتصال، فالقسم يعمل حالياً على إعادة رسم هوية التخصصات الإعلامية في ضوء التحول إلى كلية نوعية بأقسامها وتخصصاتها. وفي الجامعة هناك برامج أخرى تأخذ مثل هذا المسار. ولكن أعلم كذلك أن بعض الجامعات لم تتحرك إلى الآن، وربما كل ما عملته هو وضع شعار رؤية 2030 على مطبوعاتها، كتغير شكلي ليس إلا.
في رأيي الشخصي، أن هناك ثلاث قوى كبرى تدفع كل الكليات - أو لنقل كثيراً من الكليات - والأقسام إلى إعادة رسم هوياتها التخصصية، وهي:
1 - رؤية 2030، بما تحمله من آفاق جديدة وتوجهات نوعية نحو التنمية بمفهوم جديد وفضاءات كبرى. وتنفيذ برامج الرؤية تحتاج إلى كوادر مزودة بالمعارف والمهارات لا يمكن توفيرها إلا من خلال برامج تتوافق مع الرؤية فكراً وتطبيقاً. كما أن الرؤية تسعى إلى وصول خمس جامعات على الأقل إلى أفضل مائتي جامعة عالمية، وهذا يدفع بكل الجامعات أن تتقدم كثيراً.
2 - التوجهات العالمية في حقول العلوم والمعرفة، فكل تخصص يجب أن ينظر إلى العالم من حولنا، وخاصة في جامعات مرجعية كبرى في أمريكا وكندا وأوروبا وأستراليا واليابان وغيرها من الجامعات الكبرى في العالم. فهناك تحولات كبرى في مجال التخصصات العلمية في هذه الجامعات، ولم نلحق بها، ولا تعكس مناهجنا وخططنا مثل هذه التوجهات العالمية.
3 - الإنترنت منذ التسعينيات الميلادية في القرن العشرين وإلى اليوم وهو يضخ بمضامين ومعطيات في كل تخصص من التخصصات العلمية في الجامعات، وله تأثيره في الحكم على الأشياء وحتى في المنهجيات البحثية، إضافة إلى تأثيره على العقليات والفكر والسلوكيات.
وإذا نظرنا إلى تخصصات بعض الكليات سنجد أن هذه التخصصات كما هي منذ عهد الكلية الأولى والجامعة الأولى في بلادنا، وتمر عقود طويلة أحياناً ولم يتغير شيء لا في المسارات التخصصية، ولا في المناهج، ناهيك عن طرق التدريس. وبناء على هذه المعطيات الكبرى، لا بد أن تعيد الجامعات النظر في كل شيء تقريباً، وكل إدارة جامعة تطلب من كلياتها وأقسامها إعادة النظر في تخصصاتها وخططها وبرامجها ومناهجها، لتعكس هذه التحولات المحلية والعالمية، والتقنية على وجه الخصوص. وصحيح أن أي تغيير يأخذ وقتاً من الزمن، ولكن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ اليوم، حتى يكون هناك تناغم في مخرجات الجامعات السعودية لتلبية احتياجات ومتطلبات المرحلة الحالية التي تبني للمستقبل.
وملاحظة أخيرة، استبشرنا خيراً بدعم مبادرات رؤية 2030 للجامعات في وزارة التعليم والمعنية بالبحث العلمي بسبعة مليارات ريال في ميزانية 2018، ولكن لم نر - حتى الآن - أي تحرك بتسريع مثل هذا الرافد الجديد الذي يمكن أن يحقق للرؤية مبادرات نوعية تدعمها من خلال البحث العلمي أو برامج تصب في خدمة الوطن أو المنطقة التي تقع فيها الجامعة، وفق رؤية 2030.