الحراك الذي تدفع به وزارة التعليم وربما توافقها بعض الجامعات أمر إيجابي، ويتناغم مع حراك شامل في بلادنا لتحقيق رؤية المملكة 2030، بل إن الأمر المنطقي والطبيعي أن تكون الجامعات في طليعة المؤثرين والمتأثرين بعمليات التحول في ضوء توجهات السلطة التشريعية والتنفيذية وخططها المستقبلية في أي بلد من البلدان.
وفيما يخص الجامعات السعودية وتحديداً تحول أدوار كليات التربية وفق رؤية 2030 وما تمخض عنه من لقاءات علمية واجتماعات وقرارات تناولت تطوير منظومة تلك الكليات، والتي أفرزت تساؤلات عدة حيال مستقبل إعداد معلم التعليم العام في بلادنا والمصدر الأساس لتزويده بالموارد البشرية وهي كليات التربية في الجامعات، فبداية تستند الجامعات العريقة والمتميزة على التقاليد والأعراف الأكاديمية والنظم واللوائح الجامعية في صناعة القرار الجامعي واتخاذه ابتداءً من الأقسام الأكاديمية كونها منطلق القرارات الأكاديمية في أي جامعة، لكن واقع الحال لا يشير في كثير من ممارسات الجامعات والجهات المشرفة إلى ذلك في عديد من القرارات التي تختص بالأقسام.
هناك اتفاق لدى المتخصصين في إدارة التغيير أن أي عملية تغيير أو تحول -خاصة تلك التغيرات والتحولات الجذرية- تواجه مقاومة من الأطراف المعنية، وجميع الجهات الإشرافية والقيادات الإدارية العليا في أي مؤسسة أو منظمة تضع في حسبانها هذا الأمر، ولذلك فهي تضع خططاً للتعامل مع تلك المقاومة بمنهجية علمية وأسلوب إداري متفرد، إلا أن ذلك قد لا ينطبق حرفياً على الجامعات بوصفها بيوت خبرة يفترض أن تقود عملية التغيير في المجتمع من دون أن يفرض عليها.
لقد ركزت تلك اللقاءات المكثفة على ضرورة تحديث الخطط الاستراتيجية للكليات بما يتوافق مع التحولات الجديدة في ضوء الخطط الاستراتيجية للجامعات، وتوجهات الوزارة، ورؤية المملكة 2030، ومن ذلك إعادة هيكلة الكليات وحوكمتها، وتطوير برامجها الأكاديمية وغير ذلك.
وهذا أمر إيجابي لكن السؤال هل انطلق ذلك ابتداءً من الأقسام الأكاديمية؟
تأسيساً على ما سبق ولربطه ببعض ما أفرزه ذلك الحراك؛ فقد قررت وزارة التعليم إيقاف القبول لبرامج البكالوريوس في جميع كليات التربية، وتحويل تخصصي التربية الفنية والتربية البدنية إلى تخصصات علمية بحتة «غير تربوية»، وإذا ما نظرنا إلى هذا القرار من جانب زيادة أعداد مخرجات الكليات بما يفوق احتياجات الوزارة في بعض التخصصات من جهة، وعجز وزارة المالية عن توفير وظائف للخريجين مع حاجة الوزارة من جهة أخرى، فقد يبدو الأمر منطقياً لمواجهة تحديات مطالبات الخريجين بوظائف ليست من صلاحيات أو قدرات الوزارة، كما أن الجامعات ستعمل على تطبيقه ولا شك، بل إن بعضها أوردت في خططها الاستراتيجية قبل سنوات ما يتوافق مع هذا القرار، فعلى سبيل المثال في الخطة الاستراتيجية لجامعة الملك سعود 2030 التي بدأت في عام 1430-1431هـ نص الهدف الاستراتيجي الثالث منها على: الكيف وليس الكم وذلك بـ»تقليل عدد طلبة جامعة الملك سعود وزيادة نسبة طلبة الدراسات العليا ورفع شروط الالتحاق بالجامعة»، إلا أن الأمر لا يقتصر على كلية التربية كما هو حال قرار الوزارة، بل إن الجامعة وضعت كلية التربية ضمن كليات التميز وليس الإجادة فحسب.
قرار الوزارة أفرز تساؤلات عدة، لماذا لم يصدر القرار من الجامعات نفسها؟ خاصة أن الوزارة تتجه لمنح الجامعات الاستقلالية التامة! من خلال تحول الجامعات إلى مؤسسات غير ربحية!!، وماذا عن حق راغبي دراسة التخصصات التربوية العام المقبل؟ جميع نظم الحكم ودساتير الدول لا تفرط في حق المواطنين في التعليم الجيد، فلا مقارنة بين حق التعليم وحق التوظيف، وهل يوجد دولة ليس لديها تخصصات التربية على مستوى البكالوريوس في جميع جامعاتها؟ هل سيترك إعداد المعلم للجامعات والكليات الأهلية؟ كيف ستعمل برامج الدراسات العليا التي يراد التوسع بها وهي تفتقد أهم مدخلاتها من طلبة البكالوريوس في ذات التخصص؟ وما مصير منسوبي كليات التربية؟ وهل توجد برامج دراسات عليا في كل كليات التربية يمكن أن يعملوا بها؟
كما تناولت اللقاءات والاجتماعات نقاشاً وترحيباً ببرامج ومسارات تخصصية «غير تربوية» في الدراسات العليا في أقسام كلية التربية! فهل يراد تغيير هوية كليات التربية، وتجريدها من وظيفتها الأساسية؟ هل يراد لكليات التربية مزاحمة كليات أخرى في تخصصاتها ومجالاتها؟ ويبرز أيضاً تساؤل آخر، لماذا كليات التربية من دون كليات أخرى؟ هذه تساؤلات تداعت في خضم تحولات وتغيرات تستدعي التفكير بها لتحقيق الاستجابة المناسبة لها بطريقة علمية وتنظيمية تؤدي إلى تحسين التعليم في بلادنا.
دعواتي للجميع بكل الخير وأن يوفقنا جميعاً لخدمة بلادنا.
- جامعة الملك سعود