محمد المهنا أبا الخيل
كنت أتصفح في كتاب عن مقولات المشاهير من المفكرين والفلاسفة والتي تعبر عن فلسفاتهم وفكرهم حول الحياة والعمل والعلاقات، فشدتني مقولة للعالم الفيزيائي الشهير والذي توفي منذ أسابيع (ستيفنز هوكنز) حيث يقول «الناس لا يمنحون وقتهم لمن هو غاضب أو متشكي»، وضعت الكتاب جانباً ولأستدعي ذاكرتي عن أناس عرفتهم في حياتي ممن كانوا كثيري التذمر والشكوى، وكيف كان الآخرين المحيطين بهم يعززون ذلك التذمر باللامبالاة والإهمال فتتحول تلك الشكوى والتذمر إلى غضب جارف ومدمر للعلاقات، وكنت أتساءل «هل الإهمال واللامبالاة هي المؤسس للشكوى والتذمر أم أن التذمر والشكوى هو المؤسس لعدم المبالاة والإهمال؟»، وبعد سنوات من ملاحظة هذه الظاهرة تبين لي أن التذمر والشكوى هو أصل كل بلاء يقود لتدمير العلاقات.
التذمر والشكوى من حدث عابر أو من حالة طارئة أمر طبيعي خصوصاً إذا كان المتذمر لا يملك القدرة على تغيير تلك الحالة، ولكن التذمر والشكوى عند بعض الناس سمة وعادة لازمة فالمتذمر يشتكي من قلة التوفيق في حياته ومن جفاء الأهل والأصدقاء ومن سلوك الناس ومن زحمة الطريق ومن أسعار الماء والكهرباء ومن الطقس ومن كل شأن في الحياة، المتذمر إنسان لا يرى سوى ما يثير الشكوى، فحتى في المناسبات التي يفترض فيها التفاؤل والفرح كحفل زواج مثلاً تجد المتذمر يبحث عما يتيح له الشكوى كطريقة تقديم القهوة أو نوعية الحلويات أو مكونات العشاء وهكذا يمضي وقته في البحث عن السلبيات وتجاوز الإيجابيات.
التذمر والشكوى الدائمة هي حالة نفسية يعرفها علماء النفس بـ (Chronic Victimization) أو تمثل الضحية المزمن، وهي حالة تستدعي العلاج النفسي، ويعتقد بعض المعالجين النفسيين أن هذه الحالة تتكون لدى الشخص كحالة هروب من التحديات التي تضعها الحياة أمام صاحبها والذي يتخلى عن تكوين القدرة لمواجهة تلك التحديات بخلق الأعذار لنفسه بأن تلك التحديات غير عادلة وأنه غير محظوظ بمواجهتها فيسعى بصفة مستمرة للبحث عما يدعم ذلك الاعتقاد بتحري وملاحظة سلوكيات الناس السلبية وكل ما يعيق تحقيق أي شأن يخصه ولو كانت تلق الإعاقة أمر طفيف كتحويلة غير متوقعة في الطريق، وصاحب الحالة يحرص أن تكون الشكوى والتذمر محور حديثه مع الآخرين للحصول على موافقة وإقرار منهم بشكواه حتى يعزز القناعة لنفسه بسوء الحظ وظلم الآخرين وجفاء الحياة. ويرى بعض المختصين أن المتذمر إنسان تتملكه الغيرة من نجاحات الآخرين فيسعى لتمثيل دور الضحية للهروب من اللوم الذاتي وهو بذلك يعزز الأعذار لنفسه، لذا يقول المستشار النفسي الدكتور أحمد هارون «بعض هؤلاء الأشخاص يقرر فعلياً الاستمرار فى معاناته، فهو لا يرغب فى حقيقة الأمر أن تنتهي تلك الآلام، فهي المهرب والعذر له من مواجهة تحديات الحياة، لذا ينفر من المعالج النفسي عندما يفهم حالته».
التذمر والشكوى أيضا حالة معدية، فكثير ما يتأثر البعض بصديق أو قريب ممن أبتلي بهذه الحالة، فتجد أحياناً أن فئة من الناس يمثلون شلة لا يجمعهم سوى التذمر والشكوى، ومع ذلك ينفر الإنسان الصحيح من كثرة التذمر والشكوى، لذا يعيش المبتلى بتلك الحالة في شبه عزلة عاطفية عن المحيط من الأهل والأصدقاء مما يعزز لديه الشعور بالظلم والجفاء وهكذا ينحبس في دائة مغلقة من التعزيز السلبي.