د. جاسر الحربش
يركز الإعلام العالمي والمحلي على الخطوات السريعة لتمكين المرأة السعودية من المراكز المناسبة لكفاءتها وتصحيح أوضاعها الحقوقية بسرعة قد تثير حسد واستغراب زميلها الرجل. بالمجاز الصحراوي نستطيع القول بتقارب أعناق الجمال والنياق في مسيرة القافلة الصحراوية، ويبقى من المهم ألا تتفاحل النياق وتستنوق الجمال في التصرف بالمكتسبات وما قد يترتب عليها من الشعور الخادع بالاستغناء عن الآخر. رغم التقارب المتسارع بين الرجل والمرأة لم نلاحظ دراسة علمية عميقة واحدة عن التأثيرات المحتملة على الأسرة بكامل أفرادها في البيوت، وفي ميادين العمل على توزيع المسؤوليات، وفي المهام التربوية على الأطفال والمراهقين من الجنسين، وفي الانعكاسات المحتملة للمرحلة الانتقالية على فرص الزواج والطلاق والعنوسة والعزوبية.
لن يستطيع أحد الجزم بحدوث انتقال ناعم من عصور السلطة الذكورية المطلقة إلى عصر التساوي في حريات الحركة والكسب المادي واقتسام المكاسب والخسائر. من يتخيل مرحلة عبور ناعمة متماثلة داخل سائر العقليات الاجتماعية على اختلافها في الثقافة والمفاهيم والمناطق السكنية لن يساهم في فهم المرحلة وبحلول منطقية مقبولة للجميع. المفاهيم التي تربط بين استحالة الفلاح لقوم تحكمهم امرأة، أو أن الرجل الذي يستشير زوجته ناقص الرجولة، أوالاستدلال بالمثل القديم عن استنواق الجمل على الرجل الذي فقد منزلته الاجتماعية فأصبح مثل الناقة في سهولة تطويعها، هذه المفاهيم ما زالت موجودة في تلافيف المناهج الدراسية وفي أساليب التربية الاجتماعية وفي معايرات المجالس ولن تختفي بسهولة.
قد يخيل للقارئ المتسرع أن الكتابة في هذا الموضوع تحمل تحذيراً مبطناً أو تثبيطاً لتسوية مظالم عششت طويلاً على العقول وأخرت المجتمع عن الفهم الصحيح لشروط التنمية والحياة العادلة. إن الموضوع ليس كذلك، لكنه محاولة تحفيز لمن نعتبرهم علماء اجتماع وأساتذة دراسة شرعية وتربوية في الجامعات والمعاهد ومراكز المسؤوليات، على أن يساهموا بما عندهم من علوم وخبرات لإيضاح على الأقل الاحتمالات التالية:
أولاً: أن المرحلة الانتقالية، أي مرحلة العبور من المطلق إلى النسبي، قد تشهد جموحات أنثوية وذكورية ينقصها الفهم الصحيح لمقاصد المرحلة، بما يترتب على ذلك من نتائج شرعية واجتماعية.
ثانياً: أن المرحلة، إن لم يتم التمهيد لها بالتثقيف الكافي الواضح قد تشهد تزايداً كثيفاً في حالات الطلاق وفي العزوف عن الزواج بأكثر مما هو موجود حالياً، بما يترتب على ذلك من مشاكل وإحباطات.
ثالثاً: أن الحريات المكفولة بشروط التحول قد يساء فهمها وكأنها تشمل الحريات الجسدية، وذلك ما لن يقبله المجتمع على الإطلاق.
إنني أهيب بأساتذة القانون الشرعي والعلوم الاجتماعية والتربوية أن يسدوا ثغرة المخاوف الكامنة من تفاحل الناقة واستنواق الجمل بما عندهم من دراسات وأبحاث وآراء مفيدة، والله من وراء القصد.