هدى بنت فهد المعجل
تعامل العلماء مع (الوهم) على أنه تشوُّه يحدث للحواس؛ حيث تشوِّه الأوهام الحقيقة؛ وبالتالي تؤثر في حواسه أكثر من رؤيته؛ لأن تفسيره للإحساس يكون سيئاً بفعل شدة الوهم، ومن ذلك الأصوات المتداخلة التي يسمعها المتوهم مع الصوت الحقيقي، كمن يسمع أصواتاً أخرى متداخلة مع صوت المطرب. وتعد التمثيليات الصامتة مجموعة من الأوهام، أنشأتها الوسائل المادية بأن يخلق ممثل الحركات مشهداً تمثيلياً، يستخدم فيه أشياء غير مرئية، تشكل أوهاماً تستفز افتراضات المشاهد حول العالم المادي، وقد ذكروا من الأمثلة (الجدران، صعود السلالم ونزولها، السحب). وتعد الخدع البصرية شكلاً من أشكال الأوهام التي تُسمى أوهاماً معرفية.
ترتبط الأوهام بحاسة السمع وحاسة اللمس، وعن حاسة التذوق أشار العلماء إلى أنه يُمكن أن تحدث الأوهام أيضاً مع الحواس الأخرى مثل حاسة التذوق والشم؛ حيث إنه في حالة تلف أجزاء من مستقبلات التذوق في اللسان يمكن أن تنتج أوهام حاسة التذوق عن طريق محفزات اللمس، في حين تحدث أوهام حاسة الشم عند إعطاء سمات لفظية إيجابية أو سلبية قبل محفزات حاسة الشم؛ الوضع الذي ترتب عليه إطلاق اسم (مرض العصر) على الوهم؛ فتسلط الأوهام على الشخص يجعل حاجة الخروج منها صعبة، وقد يكتسب الإنسان المرض من أشخاص يحتك بهم، وتكون أعراض معاناتهم من مرض عضوي تقترب من أعراض يشعر بها ويجد؛ فيتمثل له الوهم الدوامة!! في القرآن الكريم ورد لفظ (الظن) بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً} (الجاثية:32)، قال ابن كثير: «أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً». وقال الخازن: «أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً»؛ وعلى هذا المعنى يُحمل قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء:87)، قال الراغب: «الأولى: أن يكون من الظن الذي هو التوهم، أي: ظن أن لن نضيِّق عليه»، وهو قول كثير من العلماء في معنى الآية. ويكون معنى {نَّقْدِرَ}، من (القَدْر) الذي هو المنع والتضييق، كقوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (الطلاق:7)، وليس من (القدرة)؛ لاختلال المعنى؛ إذ لا يليق بالأنبياء - فضلاً عن غيرهم من البشر - أن يظنوا أن الله غير قادر عليهم. باتت عيادات الطب النفسي وبيوت الرقاة مزاراً دائماً لمرضى الوهم من أجل علاجهم من الوهم!! هناك العلاج من الوهم، وهناك العلاج بالوهم تؤكده هذه الرواية عن نزيل مصاب بالربو، نزل في فندق فخم، وفي الليل فاجأته الأزمة، وشعر بحاجة إلى الهواء المنعش؛ فاستيقظ مخنوقاً، يبحث عن مفتاح الضوء، وحين لم يجده بدأ يتلمس طريقه للنافذة حتى شعر بملمس الزجاج البارد، لكنه عجز عن فتح النافذة فكسر الزجاج، وأخذ يتنفس بعمق حتى خفَّت الأزمة. وحين استيقظ في الصباح فوجئ بأن النافذة كانت سليمة تماماً، أما الزجاج الذي كسره فكان خزانة الساعة الضخمة الموجودة في الغرفة!! ما حدث هنا أن الرجل وقع تحت تأثير البلاسيبو أو العلاج بالوهم؛ ما دفع الأطباء إلى تبني فكرة تأثير الوهم في العلاج، وترتب على الفكرة وجود مدرسة طبية جديدة تنادي بإعطاء الجسم فرصةأن يعالج نفسه بنفسه من خلال تقنيات (البلاسيبو).
ففي مستشفى مونتريال مثلاً قام الأطباء بعمليات جراحية وهمية لمرضى الزهايمر (لم يفعلوا خلالها غير فتح الجمجمة ثم إعادة تلحيمها).. ومن المعروف أن هذا المرض ناجم عن تآكل حقيقي لبعض خلايا الدماغ، لكن الأطباء أقنعوا المرضى أنهم سيزرعون في أدمغتهم خلايا بديلة، وحين استيقظوا وشاهدوا آثار جراحة حقيقية شهد ثلثهم تحسناً فورياً. وهنا تفوق البلاسيبو في تخفيف الألم بخداع الدماغ؛ حيث إن الدماغ يقطع الاتصال مع نهايات الأعصاب، وكأنه واقع بالفعل تحت تأثير الفاليوم أو المورفين. وفي رواية أن إحدى الطبيبات كانت تشرف على علاج طفلة مصابة بأنيميا منجلية حادة، وهذا المرض يسبب آلاماً لا تُطاق في العظام والمفاصل، وعند اللزوم يُعطى الأطفال حقنة بيثيدين بوصفها (مخدراً) لتسكين الآلام. مع الأيام تعلمت الطفلة أن هذه الحقنة تجلب لها الراحة؛ فأصبحت تطالب بها باستمرار. ولكن لخشية الإدمان أصبحت الطبيبة تعطيها حقنة (ماء وملح) على أنه بيثيدين. كما يحدث مع الحقنة الحقيقية يخف الألم فوراً، وتدخل الطفلة في نوم عميق، غير أن إحدى الممرضات أفشت سر الحقنة الجديدة؛ فوصل الخبر للطفلة فتلاشى مفعولها.. ليس هذا وحسب، بل أصبحت على قناعة أن حتى حقن البيثيدين مجرد خداع فلم تعد تؤثر فيها! وفي جامعة هارفارد قالت العالمة «ان هارنجتون»: إن الـ»بلاسيبو» هو الأكاذيب التي تساعد على الشفاء، وإن كثيراً من الأطباء يلجؤون إلى هذا الأسلوب في معالجة مرضاهم؛ ففي الأربعينيات لجأ الأطباء الأمريكيون إلى إعطاء مرضاهم أقراصاً من السكر، وإيهامهم بأنها عقاقير طبية نافعة، واستطاعوا من خلال هذه الأكاذيب أن يساعدوا على شفاء مرضاهم، واكتشف الأطباء أن الإيحاء قد يكون أكثر فاعلية من العقاقير الطبية.
وفي ولاية تكساس ابتدع الأطباء عملية جراحة اسمها جراحة اللا شيء أو العدم، استخدموها بكثافة في علاج آلام الركبة والمفاصل، ويقومون بتخدير المرضى، وإجراء فتحة كبيرة بالمشرط حول الركبة، دون أن يفعلوا أي شيء داخلها، وكانت المفاجأة أنه بعد عامين من هذه الجراحة الوهمية امتثل جميع المرضى للشفاء، واختفت الآلام، وأصبحوا يعيشون حياة طبيعية بفضل وَهْم مكننا العلاج به من العلاج منه.