عبدالوهاب الفايز
نواصل اليوم الحديث عن أهمية إثراء مدخلات القرارات الحكومية الإساسية التي يتجه تطبيقها إلى الشريحة الواسعة من الناس، وهو التوجه الذي رأينا الأخذ به في قرار مجلس الوزراء الخاص بمعالجة أوضاع إجازات موظفي الخدمة المدنية حيث تم توجية وزارة الخدمة المدنية لمراجعة تطبيق القرار بعد عامين. هذا التوجه الإيجابي لإثراء القرار الحكومي بالآراء والأفكار المتعددة.. نتمنى أن يتطور في مجال حيوي لإنتاج القرارات السيادية ونقصد هنا (هيئة الخبراء بمجلس الوزراء).
فالهيئة تميزت بالعمل المحترف، وباستقطاب الكفاءات، ولا أحد يختلف على أهمية الهيئة وضرورة تعزيز دورها المرجعي لمراجعة وتعديل الأنظمة ومتابعة تطبيقها، والقريبون من عملها يَرَوْن أهمية دورها يعززه انشغال الأجهزة الحكومية بالتنفيذ مما يأخذها من الأمور الحيوية التي تترتب على تطبيق الأنظمة وتفسيرها، وبما أن الهيئة لها الأهمية الأساسية في الفترة الماضية فإن تعزيز دورها الآن ومستقبلاً مهم جداً.
دورها مهم لأجل استيعاب أعباء التحول الكبير في مجتمعنا الذي يتطلب إصدار أنظمة جديدة وتحديث ما هو قائم، وضبط أداء القطاع العام ليكون ملتزما بالأنظمة، ونعول عليها لضبط عملية (التخصيص للقطاعات الحكومية) حتى تكون ملبية للمصالح العليا، فنحن لا نريد التخصيص لأجل توفير النفقات المالية فقط، بل نريد التخصيص الذي يضمن السلام الاجتماعي، ولا يُصدر تكاليف الحياة إلى الشرائح الأقل دخلاً في المجتمع، كما حدث في تجارب سابقة في العديد من الدول.
أيضاً نحتاج هذا الإجراء لرفع كفأة المدخلات للقرار الوطني لأننا نشهد الآن دخول جيل جديد من الكفاءات الوطنية، وهؤلاء يحتاجون التأهيل المحترف الذي يعدهم فكرياً ومهارياً لفهم طبيعة عمل القطاع العام، بالذات دارة التوازنات وتقدير الاحتمالات والتدرب على تحليل المخاطر. ولا ننسى أيضاً دخول الشركات الاستشارية العالمية، فهذه أصبح لها حضور قوي في الشأن العام، وكما هو معروف، الشركات ينقصها فهم الأمور والقضايا المحلية، وهذا النقص يَحد من قدرتها لتقديم المشورة، وهذا مربك للقرار الوطني.
حتى نُحصّن القرار الوطني ونقوي الجبهة الداخلية، ثمة مقترحات هدفها تعزيز مكانة وأهمية هيئة الخبراء، فهي بمثابة (مركز التفكير الوطني) الذي يخدم مجلسي الوزراء والشورى، فكلا الجهازين السياديين يحتاجان إلى المؤسسة المتخصصة التي لديها الخبرة الفنية المحترفة في التنظيم والتشريع، فالهدف واحد، وهو استقرار عملية التشريع والتنظيم على قواعد وأدبيات الحكم، وعلى القيم والأخلاقيات والمصالح العليا لبلادنا.
الذي نقترحه هو أن تضع الهيئة (ضوابط أو شروط) لمن يختارهم ويكلفهم الجهاز الحكومي في التواصل مع الهيئة حين مناقشة الأمور التنظيمية للقطاع العام. هذه الضوابط يقترح أن تقوم على المرشدات أو الضرورات التالية:
أولاً: ضرورة وضع ضوابط لاختيار من يتعامل مع الهيئة تضمن تتوفر الخبرة والمعرفة الكافيه في الموضوعات المعروضة على الهيئة.
ثانياً: ضرورة توفر الثقافة القانونية، وسعة المعرفة بالشان العام، حتى يكون الشخص المكلف قادرًا على إدراك أهمية تكامل الأنظمة، فالربط بين القوانين يسهل عملية التطبيق.
ثالثاً: أن يكون لديه معرفة بالقانون الإداري، وصنع السياسات العامة، أي الفهم العميق بكيفية عمل القطاع الحكومي، ودور الحكومة المرحلي والمستقبلي في حياة الناس.
رابعاً: أن يكون واعياً لارتباط الموضوع الذي يناقشه بالموضوعات القريبة أو المشابهة لدى القطاعات الحكومية الأخرى.
خامساً: مدى إدراكه وفهمه لكيفية تطبيق الأنظمة، وأهمية اللوائح والإجراءات، والإمكانات المادية والبشرية التي يتطلبها تطبيق الانظمة.
سادساً: من المهم للهيئة وضع قاعدة وطنية للخبرات السعودية المتخصصة، تتضمن إسهاماتها العملية والعلمية، وتأهيلها، وإنتاجها المعرفي، والمشروعات التي عملت عليها. وهذا ضروري حتى نستثمر الأعداد الكبيرة من الموارد البشرية التي تتقاعد، أو التي تتواجد خارج البلاد. هؤلاء المستقلون ربما تستعين بهم الهيئة في حال عدم اطمئنانها لكفاءة وخبرة مندوبي الأجهزة الحكومية. الهدف كما قلنا رفع كفأة التشريع.
سابعاً: ربما يخدم عملية كفاءة التشريع ضرورة وضع (برامج تدريب) على صنع السياسات لموظفي الحكومة، فيكون اجتياز الدورة التدريبية شرطاً أساسيا لمن يتعاملون مع هيئة الخبراء.
ثامناً: تصميم آلية تضمن للهيئة معرفة أن الشخص المكلف قد أتم التحضير والمراجعة الضرورية قبل الاجتماعات، مثل ضرورة فهمه لأساس الموضوع، الفكرة، الهدف، ودرجة المخاطرة، واحتمالات المستقبل، وأثره على السلام والاستقرار الاجتماعي، وربما تضع الهيئة مثل هذه الأسئله الضرورية وتطلب الإجابة عليها مسبقاً لكي تتأكد أن الشخص قد حضر وهو مستوعب ومتفهم لما سيقول ومستعد لكل الاحتمالات.
تاسعاً: ضرورة وضع الضوابط التي تحكم طريقة الاجتماعات حتي تكون منتجة وتركز على الهدف الأساسي، فالاجتماعات التي يترتب على نتائجها أو توصياتها قرارات تمس مصالح الناس يفترض أن تكون محكومة بالضوابط العلمية والمهنية، ويتم قيادتها وإدارتها بمهارة تضمن الصراحة والابتعاد عن المجاملة وضمان عرض جميع الآراء بدون تحفظ.
هذه بعض مما لدي، وهي بمثابة الخطوة الأولى لعصف الأفكار حول هذا الموضوع الحيوي، وهذا دور الصحافة، طرح الأسئلة في الموضوعات الحيوية للنقاش وتبادل المعرفة حولها.