فوزية الجار الله
تم مؤخراً إصدار تصريح بعودة السينما إلى السعودية، وهو قرار جيد فيما يختص بمسار التحضر والتطور الذي اجتاح العالم بأسره، لكن يبقى الأمر الأهم في تلك المواد والأفلام التي سيتم عرضها، وللسينما عندي مواقف وذكريات ربما لتلك الصورة الذهنية التقليدية السائدة عنها قديماً، حيث يراها البعض لهواً وفساداً وإهداراً للوقت إضافة إلى تلك الحقيقة الشائعة، وهي أن بعض الأفلام محظور على الأطفال مشاهدتها حتى يبلغوا الثامنة عشرة لحداثة سنهم، وبالتالي إدراكهم، أتذكر جيداً تلك الأصوات الغامضة العالية نسبياً والتي تتردد من فناء حديقة الجيران المطفأة الأنوار في نهايات الأسبوع، ليلة الجمعة غالباً، علمت فيما بعد بأنهم من أؤلئك القلة الذين يقتنون جهازاً سينمائياً خاصاً يعرضون عليه أفلاماً في نهاية الأسبوع، حيث تجتمع العائلة، وقد حظيت مرة بتلك المشاهدة يوماً حيث استضافتنا إحدى الجارات الصديقات ذات زمن، وقد تخلل السهرة عرض فيلمين سينمائيين أحدهما عربي وآخر أمريكي، كانت الصور الضخمة مبهرة والمشاهد لافتة ومثيرة، يومها لم أكن قد تجاوزت الرابعة عشرة من العمر.
دارت الأيام وتغيّرت الأحوال، وأصبحت أميل كثيراً إلى نوعين من الأفلام؛ أولهما: الوثائقية التاريخية غالباً، ثانياً: تلك الأفلام التي تحمل فكرة فلسفية إنسانية عميقة، والأفضل أن تكون قصة واقعية تم إعداد فيلم حولها، بغض النظر عما يضاف إليها من مبالغات سينمائية رغم أهميتها أحياناً لجذب المشاهد وإثارة اهتمامه.
في الفترة الماضية التقيت بأخت زميلة في إحدى المدن خارج الوطن، وكانت تحمل ضمن جدول اهتماماتها رغبة شديدة بمشاهدة فيلم سينمائي بعنوان (ستار وورز) وهو يعني حرب النجوم، حينها كان لا بد لها من الانتظار إلا أنها غادرت بحكم ارتباطها بدوام العمل وأوصتني بشدة بحضور العرض بدلاً عنها للاستمتاع.
وعلى صدى ذلك الإلحاح دلفت إلى صالة السينما، حيث يعرض في السادسة مساء، حرصت على اصطحاب كيس ورقي صغير من «البوب كورن» الشهي الساخن برائحته المميزة والذي جرت العادة أن يباع على أبواب دور السينما بعد استلام التذاكر، دلفت بهدوء، كان بجواري بعد مقعدين فارغين، اثنان فيما يبدو أب وابنه الذي فيما يبدو في التاسعة من عمره، بعد انتهاء الإعلانات التي استغرقت وقتاً طويلاً مملاً بدأ العرض وأنا أنتظر الدهشة بفارغ الصبر، سمعت الأب وطفله يتهامسان ويضحكان لأكثر من مرة لكنني لم أضحك لم أجد ما يدفعني إلى الضحك، الفيلم يعرض باللغة الإنجليزية لكن لم تكن هذه بحد ذاتها هي المشكلة، الأمر السيئ أنني اكتشفت أن الفيلم ينتمي إلى أفلام الخيال العلمي التي لا تهمني إطلاقاً ولا تستهويني، لأكثر من سبب أهمها أن عالمنا يحوي من الفوضى والغرائب والصراعات والعجائب الكثير الذي يجعلنا لسنا بحاجة إطلاقاً إلى اختراع صراعات خيالية نستغرق فيها ونترك واقعنا الذي هو بحاجة ماسة إلى عقولنا ووعينا وإدراكنا جميعنا بلا استثناء أطفالاً وشباباً وشيوخاً، من الجنسين، نساء ورجالاً.