فضل بن سعد البوعينين
مضت عقود على تبني المملكة مصالح الدول الشقيقة ضمن أولوياتها الدولية؛ وربما استأثرت بعض ملفاتهم السياسية والاقتصادية بالاهتمام الأكبر المؤثر في المصالح السعودية.
لم تميز المملكة يوماً بين الدول الشقيقة التي ترتبط معها بحدود جغرافية؛ أو تلك الدول البعيدة التي لا يمكن أن ينعكس ما يحدث فيها على الداخل السعودي. حرصت المملكة على وحدة الصف؛ واستقلال القرار العربي؛ ونصرة القضايا المصيرية؛ والعمل على منع تغلغل القوى الأجنبية في العمق العربي. تقدمت المملكة في مواقفها الوحدوية الداعمة على بعض الأنظمة العربية في إدارتها أزماتها وقضاياها المصيرية. أيقنت المملكة أنها لم تعد قادرة على تحقيق الأهداف الإستراتيجية في المنطقة بمعزل عن إرادة الأنظمة التي تدير تلك الدول وتتحكم بمصيرها؛ والتي سمح بعضها للدول المعادية باختراق المنظومة العربية وتفكيكها من الداخل؛ ما دفعها لإعادة هيكلة إستراتيجيتها في التعامل مع القضايا الخارجية وبما يضمن استمرار الدعم الأمثل والالتزام بمتطلبات العلاقات المشتركة؛ دون السماح لها بعرقلة المصالح الوطنية؛ وإبطاء حركة التغيير والإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان؛ أو إفشالها.
لذا بدأ الملك سلمان حكمه بتحركات عملية لجمع الصف ووحدة الكلمة بين الدول العربية والإسلامية؛ وإبراز الملفات المهمة الواجب التعامل معها ومنها ملف الأمن القومي؛ والملف الاقتصادي الأكثر أهمية للشعوب. رسم خادم الحرمين الشريفين الإطار العام للشراكة العربية والإسلامية؛ وتحولت الرياض إلى مقر دائم للوفود والقمم والمؤتمرات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ ووضعت المعايير والمتطلبات التي ستبنى عليها التحركات السعودية مستقبلاً.
استمرت السعودية في مد يدها للجميع؛ غير أنها لم تعد مهتمة بمن نزع يده عنها ثم وضعها في يد الأعداء. لم يقتصر ذلك على الدول العربية والإسلامية بل حتى الدول الخليجية التي كانت تمثل الخط الأحمر للقيادة السعودية. لم تعد المملكة مهتمة بلعب دور المنقذ والمضحي بمصالحه من أجل مصالح الآخرين؛ وربما رأت القيادة أن قدرتها على استمرار دورها الداعم للدول الشقيقة لا يمكن أن يستمر إلا باستدامة قوتها الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تستوجب فرض واقع ومتطلبات جديدة لا يمكن التخلي عنها.
كشفت زيارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ ومن قبلها لدول الشرق؛ عن رؤية المملكة المستقبلية وآلية تعاملها مع القضايا المحلية والدولية؛ والتزامها التام بالقضايا العربية والإسلامية إلا أنها لن تلعب دور الممثل الشرعي عن الدول الشقيقة؛ أو أن تضحي بمصالحها من أجل قضاياهم التي تسببت أنظمتهم الحاكمة في تفاقمها دولياً ومحلياً.
قدم الأمير محمد بن سلمان رؤيته المستقبلية بشفافية مطلقة للإعلام الغربي؛ وأجرى عدداً من المقابلات الصحفية التي اتسمت بالجرأة والصراحة ووضع مصالح المملكة في مكانها الصحيح. قد يكون الإعلام؛ والرأي العام الغربي أكثر المتفاجئين بشفافية ولي العهد التي رسمت خارطة طريق المملكة في علاقاتها الخارجية؛ وإعادة هيكلة العلاقات الدولية وفق شراكات اقتصادية داعمة للشراكة السياسية؛ إلا أن دهشة الأنظمة والمجتمعات العربية كانت حاضرة ولا شك؛ وأحسب أن «الصدمة» الخارجية أسهمت في تحقيق أهدافها سريعاً.
السعودية أولاً؛ شعار حمله الأمير محمد بن سلمان؛ وآمن به؛ وقاتل من أجل تحقيقه في زياراته الأخيرة؛ لذا لم يكن مفاجئاً للمؤمنين برؤيته وتحركاته الإصلاحية؛ تحقق النتائج الاقتصادية والسياسية والإعلامية المذهلة خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية. شراكات واتفاقيات موجهه لدعم الاقتصاد؛ ونقل التقنية؛ وتوطين الصناعة وخلق الوظائف والفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة؛ وتحقيق الأمن الإستراتيجي هي حصيلة زيارات ولي العهد لأمريكا؛ وما زال للخير بقية؛ ما دامت «السعودية أولاً» في جميع التحركات الدولية والداخلية.