أ.د.عثمان بن صالح العامر
أولاً- لغة التعميم هذه غير صحيحة ولا يمكن أن تجزم بها وتطلقها هكذا على عواهنها إلا بعد دراسة دقيقة يتساعد فيها معك - لإنجازها بالأرقام والحالات بكل أمانة ومصداقية ووضوح وشفافية - كل الجهات الرسمية وغير الرسمية، المؤسساتية والشخصية التي تشتغل بالإقراض علناً أو بالسرية، فضلاً عن المقترضين الذين هم المعنيون بهذا العمل العلمي المهم.
ثانياً- على افتراض أنك قلت إن التعميم جاء من باب التغليب، لأنهم في نظرك يقاربون 80% من الشعب ويمثلون الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، فإنني كذلك لا يمكن أن أصدق ما جزمت به لأنه باختصار مجرد رأي شخصي لم يبنَ على مسح ميداني شامل ودقيق، ولكنني في ذات الوقت لا أنفي أن هناك شريحة من المجتمع السعودي لا أستطيع تحديد نسبتها عليها التزامات مالية سواء للبنوك أو لأشخاص يمتهنون الإقراض بطرق متنوعة ليس هذا مجال الحديث عنها وعنهم.
السؤال الأهم في هذا المقام والذي يجب أن يطرحه المستدين والمقترض على نفسه قبل أن يسمعه من الآخرين، ترى لماذا اقترضت هذا المال؟ وما سر تراكم هذه الديون على ظهري حتى وصل الأمر بي إلى التهرب من الناس خاصة القريبين مني وأصدقائي وزملائي في العمل بعد أن استدنت من الجميع بلا استثناء، ولَم أستطع الوفاء بما وعدت، وجزماً لن أستطيع على الأقل في الزمن المنظور أن أسدد ما علق في ذمتي من ديون؟.
أعتقد - وإن لم تكن لدي دراسة علمية دقيقة فإنني من المعايشة والسماع - أن غالبيتهم تسربل بالدَّين جراء أسباب عدة قد يكون من أهمها:
* الكفالة الغرامية المتولدة عن مفاهيم العيب الاجتماعي، وجراء المجاملات غير المحسوبة العواقب.
* التوكل الغير مبني على أسباب عملية صحيحة.
* المبالغة في الاعتقاد بأن الناس ممن حوله سيدفعون عنه متى أصبح داخل السجن مصفد بالأغلال المادية والنفسية والمعنوية.
* غياب ترتيب الأولويات في الإنفاق المالي، وعدم التفريق بين الضروريات والكماليات والجماليات في الحياة الاستهلاكية، فهو ربما استدان من أجل السفر غير الضروري، أو شراء سيارة فارهة، أو بناء فيلا فخمة، أو إقامة مناسبة اجتماعية مترفة، أو زواجات متتابعة فاشلة، أو... وهذا نمط استهلاكي يشتري كل ما يشتهي، وما أروع مقولة عمر رضي الله عنه العتابية: (أكلما اشتهيت اشتريت).
* التقليد والمحاكاة لمن لديهم سعة من المال، وهذه مشكلة مجتمعية متجذرة ومعقدة للأسف الشديد، وربما أنها السبب الأقوى لمشكلة دين الأسرة السعودية.
* غياب التخطيط المالي، فلا يدري كم صرف شهرياً، ولا أين صرف الراتب، وليس لديه ميزانية للأسرة.
* دخول مشاريع تجارية بلا دراسة حقيقية للجدوى الاقتصادية.
* ارتفاع المهور غير المبرر؛ مما يجعل الشاب يدخل حياته الزوجية وهو مكبل بالديون.
* الموضة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أرهقت الأسر بعد أن جعلتهم يركضون وراء التخفيضات المسوق لها فيشترون ما ليس لهم حاجة به أو ليس له الأولوية عندهم.
* حب التملك غير المقنن.
* تدليل الزوجة والولد في شراء ما يطلبون مهما كان ثمنه.
نعم ارتفاع تكاليف الحياة، وضعف الدخل، والضريبة المُضافة، وزيادة أسعار مشتقات الطاقة أسباب لا نختلف على أنها ذات أثر في ارتفاع فاتورة الأسرة ولكنها ليست أقوى مما سبق من أسباب فضلاً عن أن حكومتنا الرشيدة ردمت الهوة مالياً بشكل مدروس كما هو معلوم.
إن من نتحدث عنهم وقعوا في هذا الفخ المؤلم قبل فرض ما ورد أعلاه منذ أشهر معدودة، ولذلك باختصار المشكلة منّا نحن، من سلوكنا الشرائي، وثقافتنا الاقتصادية، وقوامتنا الأسرية، ومجاملاتنا الاجتماعية، ومعاملاتنا الشخصية، ومصروفاتنا الفوضوية فهل نعيد ترتيب أوراقنا المالية من جديد؟ ونضبط ميزانيتنا الأسرية، بعيداً عن المجاملات والمحاكات والتقليد؟ لعلى وعسى، والسلام.