د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
بقي خالص الجلبي في المملكة ما يزيد على الثلاثين عامًا، عمل كطبيب، وكتب في الصحافة، وطبعت بعض الصحف كتبًا له. أحاطه الجميع بكافة أنواع المودة، والاحترام والرعاية. وباختصار حصل الجلبي على أقصى ما يتمناه المواطن. غادر المذكور للمغرب ليعقد مؤتمرًا صحفياً يصف السعوديين فيه بدون أي مبررٍ: «بعدم التخلق»، وأن كل ما لديهم المال فقط!! ثم استدعى الجلبي ابن خلدون بلا سبب منطقي ليقول: إن المناخ والطعام سبب عدم التخلق في سكان المملكة. كلام مضحك يثير الشفقة. فعبارة «عدم التخلق» لا تعني ما قصده الكاتب «الطبيب» إذ إن التخلق يكون في الخَلْقِ وليس في الخُلق. وإذا كان للطعام والمناخ أثر في طباع الناس هنا، وهذه مقولة عفى عليها الزمن ولم يعد هناك من يصدقها اليوم، فالجلبي بقي في مناخ السعودية ما يقارب الأربعة عقود، وأكل من طعامها، ومعظم مطاعم السعودية اليوم سورية، ولبنانية. ولو كان ابن خلدون بيننا اليوم لربما استرعت انتباهه ظاهرة «الجلبي»، مع احترامي الوافر لهذه الأسرة الكريمة، ولتقصى طعامها والمناخ الذي أقامت فيه، فهي أنجبت إضافة لخالص جلبي، أحمد الجلبي ظاهرة الخيانة في عصر العرب الحديث، الذي استجلب الأمريكيين لتدمير بلده العراق. عموماً لا اعتقد أن خالص الجلبي مهم في ذاته فهو كاتب اختلط في كتابته الدجل الديني بالخطاب العلمي، في عهد كانت الناس تكتب للسذج وليس للفكر، فكان يكتب للارتزاق مثلما صرح في المغرب بكلامه عن السعوديين للارتزاق.
الأهم في نظري ليس خالص الجلبي بل ما يمكن تسميته بظاهرة الجلبية التي تسبب فيها بعض السعوديين بكثير من الأذى لبلدهم نتيجة إما لطيبته المفرطة التي تصل أحياناً لحد السذاجة، أو الخبث الزائد الذي يدفع البعض لتقريب الوافد على حساب المواطن للاستعانة على قضاء الحاجات بالكتمان. فبعض الوافدين يظهر الولاء الجم، ويعد تنفيذ كل ما يطلب منه سواءً كان ذلك حقًا أو باطلاً ضربًا من ضروب الأمانة. وقد يبرر ذلك لنفسه بالحاجة للقمة العيش والحفاظ على العقد من الإلغاء مع أنه يعرف أن ما يقوم به قد يتناقض مع العرف والخلق. وقد قال بعض الخبثاء: وراء كل فاسد وافد. وهنا يجب التأكيد على أن معظم الوافدين شرفاء ويقدمون خدمات جليلة للوطن، وكثير منهم، من عرب أو مسلمين، إخوان لنا في الدين والعرق. والكلام هنا عن القلة «الجلبية» على وجه الخصوص التي تمارس التقية معنا وتفرط في إبراز النفاق والولاء المزعوم لنا حتى إذا ما امتلأت جيوبها وانتفخت أشداقها قلبت لنا ظهر المجن و تعرضت لنا في أقرب فرصة بما ليس فينا.
والوافد قريب بعيد يعتقد بعض المسؤولين مع الأسف بأن إقامته مؤقتة حتى ولو بقي لعقود، وهنا يمكن إطلاعه على أمور يجب ألا يعرفها زميله السعودي الذي يمكن أن يسرب أسرار العمل لزملائه وأقاربه خاصة فيما يتطلب المرونة الفائقة مع الأنظمة ويدعو للالتفاف بروح النظام على نصه. ومما صدم الكاتب من الظواهر الجلبية، أستاذ كان يعمل في القسم ويتولى تصريف جميع الأعمال فيه. وكان شخصية مركزية مخيفة، تراه مع المسؤول فتعجب لطيبته، وتلاحظه مع زملائه فتعجب لسطوته وعجرفته. كان اسمه غريبًا وجنسيته أغرب؛ سامي الرباع. أدعى الإسلام وهو من أصل أرمني - ألماني. واختلف هذا الأرمني المخيف مع زميل له عراقي، شيوعي تائب، رحمة الله عليه، كان عمره 65عاماً وكان ينام في قاعة المحاضرات. فكتب الأول له خطاب توبيخ ووضعه في ملفه، فكتب العراقي للجامعة أن الرباع في الحقيقة إسرائيلي واسمه الحقيقي شمعون وليس سامي!! فأنهت الجامعة عقده بعد سنوات طويلة من العمل. وظن الجميع أن القسم سينهار.
رحل، سامي «شمعون» إلى ألمانيا، وترك خلفه سلسلة من الفضائح في الغش لا نهاية لها منها التلاعب بالنتائج النهائية للطلاب. لكن هذا ليس كل شيء. أعلن سامي فور عودته إلى ألمانيا عن توبته من الإسلام، وأنه كان «مسلماً مضللاً»! وأنشأ في ألمانيا موقعاً إليكترونيًا، هو الأشهر اليوم في العالم في تشويه الإسلام والسعودية، اسمه «الإسلام الحقيقي» The True Islam . واشهرت أحداث 11 سبتمبر هذا الموقع فطافت شهرته الآفاق. وكتب الرباع أربع روايات بالإنجليزية والألمانية، تقمص فيها دور شاهد حال، تدور حول تشويه سمعة المملكة والمجتمع السعودي بشكل أقل ما يقال عنه إنه مقزز. وما زال هذا الموقع نشطًا، ويعد منصة لكل من يريد تشويه سمعة المملكة. والحكمة العربية تذكرنا دائماً أن: اتق شر من أحسنت إليه.