د.عبدالله بن موسى الطاير
تصريحات الأمير محمد بن سلمان وحواراته الصحفية، وتحركاته، وزياراته يتم تحميلها ما لا تحتمل. ويذهب البعض في استنتاجاتهم وتحليلاتهم حد الافتراء بالكذب عليه. ومنذ ظهر على الساحة السياسية والإعلام الغربي مهتم بسموه ويتابع أخباره، وبقدر ما يسهم في نقل رسائل الأمير فإنه في المقابل يفتري عليه ويروّج المزاعم ويخترع القصص بما لم يحدث مع زعيم عربي ولا حتى عالمي في القرن الواحد والعشرين باستثناء الرئيس ترامب.
الحملة الإعلامية المضادة التي تشن على سموه تتخذ من شبكات التواصل الاجتماعي مصدراً (موثوقاً) لوسائل إعلامية غربية تنقلها من سياقاتها الشخصية إلى معلومات تسمم بها عقول ووجدان الرأي العام المحلي والعالمي. ومرات أخرى يكون مصدر تلك المعلومات المضلّلة افتراضات لقنوات أثبتت عداءها ليس من العام الماضي كقناة الجزيرة وإنما منذ تأسيسها، أما المصدر الثالث فتحقيقات مطولة تقوم بها وسائل إعلامية غربية تحاول الزج بالأمير في تصفية حساباتها الداخلية معتمدة في بناء قصصها التي تهاجم بها الأمير على تصريحات لمصادر (رسمية) طلبت عدم الكشف عن أسمائها، كما يفعل الإعلام الغربي الليبرالي الذي يناصب الرئيس دونالد ترامب العداء؛ وبذلك فإنه يتجاوز في هجومه على الرئيس إلى كل من يرتبط بعلاقات وثيقة مع البيت الأبيض.
الأمير تحول إلى نجم يطارده الإعلام بالتغطية، فالوسيلة المحظوظة التي تحصل على لقاء خاص مع سموه تحول الحوار الإعلامي معه إلى محاكمة للدولة السعودية في موضوعات مثل الوهابية وحرب اليمن وإيران ولبنان والإخوان المسلمون والقضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل ومحاربة الإرهاب والفساد. فالمملكة عندهم متهمة بالإرهاب لأنها تتبنى فكراً وهابياً متشدداً بزعمهم، وهي تشن حرباً على اليمن، وتتنافس مع إيران على حساب استقرار المنطقة، وتتدخل في شؤون لبنان، وتعادي الأخوان المسلمين، وتبرم صفقة القرن مع أمريكا وإسرائيل لفرض حل على الفلسطينيين، وتفترض حلفاً سعودياً إسرائيلياً في وجه عدو مشترك هو إيران، كما يواجهون الأمير باتهامات حول تمويل بعض الجماعات الإرهابية من خلال التبرعات الشعبية السعودية، إلى غير ذلك من الشؤون المحلية البحتة أو شؤون الأسرة الحاكمة. والأمير يجيب بكفاءة عالية وشفافية مطلقة عن تلك المزاعم والادعاءات.
عدد المقابلات والحوارات الإعلامية التي أعطاها الأمير محمد بن سلمان للإعلام الغربي خلال أقل من سنة لم تحدث على مستوى منصب ولي العهد منذ تأسيس المملكة، بل إنه لم يقم بها مسؤول سعودي سابق قط. وحجم المعلومات التي قدمها لتصحيح المزاعم والأنماط السلبية السائدة عن المملكة منذ توحيدها لم تقدمها الأجهزة الإعلامية السعودية مجتمعة في أية مرحلة من المراحل. لقد كسر سموه احتكار المعلومة التي كان يسرّبها على استحياء بعض المخول لهم بذلك من مسؤولين لا تذكر أسماؤهم، أو إعلاميون مقرّبون من صناعة القرار، وكانوا في بعض الأحيان هم الداء والدواء وبخاصة إذا تعلّق الأمر بالمرأة وبالحريات والتحرّر المجتمعي، أو مستأجرون في عواصم غربية يديرون حملات تصحيح صورة المملكة وهم غير مؤمنون بما يفعلون.
الأمير محمد بن سلمان يواجه القضايا الحساسة قبل غيرها، ويوجه الصدمة تلو الأخرى للوعي العالمي، ويجيب عن كل الأسئلة بمعلومات وبموقف سعودي رسمي منها، ويجادل عن علم، ويخوض معركة الوعي بإخلاص لقضيته ولا يتردد في الاعتراف بالأخطاء، وبذلك رفع غطاء السرية عن المملكة وأجاب عن كل القضايا المثيرة للجدل.
هذا التعاطي المكثف والشفاف مع الإعلام هدّد مصالح دول تم كشف حقيقة خطرها، وأسقط أوراق التوت عن مراكز دراسات وشبكات إعلامية وخبراء كانوا يقتاتون على صناعة الأكاذيب وترويجها عن المملكة، وحيّد بعض الأجندات الليبرالية المحلية التي كانت تقدم نفسها رسلاً للخلاص برسائل مزدوجة.
الأمير قال كل شيء دون أن يسمح بالمساس بالدين، ولا بدستور هذه البلاد القرآن والسنة، ولا بأهمية الدعوة إلى الله بالحسنى، ولم يفرّط في القضية الفلسطينية، ولم ينجرف إلى التنابز الطائفي ولم يخرج بالمجتمع السعودي عن ثوابته الدينية وتقاليده الموروثة. لقد قال كل شيء وكشف كل الأسرار دون أن يتنازل قيد أنملة عن الثوابت التي قامت عليها المملكة. دائرة النور التي يحمل مشعلها الأمير تتسع، والظلام ينحسر عن الطريق لتكون الرؤية أكثر وضوحاً، والحسرات تتراكم في صدور أعداء المملكة، فليموتوا بغيظهم.