عمر إبراهيم الرشيد
أصبح تأثير الشخصيات العامة اليوم أكبر وأسرع مع الثورة المعلوماتية والرقمية، وحين نطلق مسمى الشخصية العامة فالمقصود منها أي فرد ذكراً كان أو أنثى حقق شهرة في مجاله، مع مراعاة أن عصرنا الحالي تغيّر فيه اتجاه بوصلة الشهرة، فصارت أحياناً في متناول من لم يسهم في منفعة لمجتمعه ووطنه، بل في جعل الإسفاف والسخف فناً ومهارةً ومواقع التواصل لم تقصِّر في تقديم هؤلاء وشهرتهم.
كنت قد كتبت هنا عن كرة القدم كصناعة واقتصاد وثقافة متجاوزة المستطيل الأخضر إلى شتى أنحاء الكرة الأرضية، بما فيها من حركة بشرية لا تهدأ. ولاعبوها ومدربوها وحتى من يعملون بموازاة حركتها من سماسرة ونقاد ومعلّقين، أصبحت شهرتهم توازي أو هي تتخطى شهرة الكثير من قادة الرأي من سياسيين واقتصاديين ومفكرين، ولا ضير في ذلك، بل إن مجالهم وهو الرياضة، من أرقي المهن كونه يتعلّق بنشاط إنساني يتعدى الترفيه إلى الضرورة وأساس للصحة العامة.
محمد صلاح، هذا المواطن المصري الطيّب السمت، أصبح سفيراً فوق العادة لوطنه والعرب عموماً، بأخلاقه الرياضية وسلوكه مع موهبته ومهارته في العزف الكروي وإسعاد جمهوره في وطنه والعالم. ورقة مصر الرابحة وسبب تأهلها لأكبر مسابقة عرفها العالم، وهذا المنتخب الذي سوف يلعب في مجموعة المنتخب السعودي إلى جانب الأورغواي وروسيا، مطعّم بلاعبين محترفين خارجياً وقد يبرز منهم لاعب آخر أو اثنان خلال البطولة، وهذه ثمرات الاحتراف الخارجي الذي وللأسف الشديد لم نوله العناية والتخطيط كما فعلت اليابان على سبيل المثال. والمنتخب الوطني حين لعب عام 94م في أمريكا لفت بعض لاعبيه أنظار النقاد والمتابعين، ألم يكن هدف سعيد العويران ولا يزال من أجمل أهداف العالم. وعودة إلى محمد صلاح، ابن الخامسة والعشرين وابن بلدة صغيرة في مصر وبإمكانيات عادية أو متواضعة في بدايته، مع الانضباط وروح الإصرار واللعب من أجل الرياضة والمنافسة النظيفة، استطاع اعتلاء السلم درجة درجة حتى أصبح نجماً في سماء أوروبا ومصر والعالم العربي على السواء. وغير بعيد عنا خبر إعلان عدة مشجعين لنادي ليفربول إسلامهم تأثراً بهذا اللاعب الخلوق، وليس هناك أجمل من سجوده بعد إحراز أهدافه، ولا يخفى تأثير هذه الحركة على الجمهور الإنجليزي والعالمي عموماً، ألا تدفع الكثيرين منهم إلى التساؤل عن معناها ولمن هي تلك السجدة؟ تلك هي السفارة المشرّفة حين يمثّل طالب أو طبيب أو رجل أعمال أو لاعب رياضي بلده وحضارته أحسن تمثيل، بأخلاقه وسلوكه الراقي واحترامه لهويته وقوانين وثقافة بلده المضيف كذلك، هنا يكون التأثير والإنجاز والنجومية.
منتخبنا الوطني مقدم على المشاركة الخامسة في كأس العالم، ومع دعواتنا له ولمنتخب مصر والمغرب وتونس الشقيقة بتقديم مستويات مشرِّفة، نتمنى من لاعبينا استحضار أنهم سفراء قبل أن يكونوا لاعبين، فاللعب بإخلاص وروح وأخلاق رياضية كفيلة بكسب احترام الجماهير في الوطن والخارج، والانضباط والتركيز على اللعبة ورفع اللياقة عوامل الظهور المشرِّف في موسكو بإذن الله تعالى، إلى اللقاء.