لبنى الخميس
هل ستكون جاهزاً يوماً للخروج من دائرتك المريحة بابتسامة عريضة؟.. هل ستكون كل الظروف مناسبة والأدوات متوفرة لتطلق مشروعك الحلم؟.. أو تنشر كتابك الأول؟.. أو تكمل دراساتك العليا في التخصص الذي لطالما رغبت به؟.
ليس بالضرورة، بل في أغلب الأحيان تتفوق أعذارنا بعدم جاهزية الظروف على حماسنا بالإقدام على أحلامنا.. وبالرغم من ذلك كثير من الأفكار العظيمة لم تنتظر الظروف المثالية.. بل ولم تعرها أيّ اهتمام.. كارل بينز مهندس ومصمم محركات السيارات ومؤسس شركة مرسيديس بنز.. أطلق اختراعه حين كانت ألمانيا تحضر قيادة
السيارة، ناهيك عن عدم جاهزية الطرق أو توفر محطات للوقود، هل كان يجب أن ينتظر؟.
أوبرا وينفري التي غزت شاشات القارات السبع ببرامجها الأكثر شعبية.. بدأت مسيرتها الإعلامية في بيئة عنصرية مقيتة لم يسمح فيها لأيّ امرأة سوداء للظهور على شاشة التلفزيون؟.. هل كان يجب أن ينتظر؟.
إمارة دبي نافست في سوق السياحة والاستثمار وشيدت أفخم الفنادق وأطول البنايات وأضخم المطارات بالرغم من ضبابية المشهد وتوتر الأوضاع العربية.. هل كان يجب أن تنتظر؟..
اللحظة المناسبة ليست خرافة شعبية فقط؛ بل عدو متربص بالبدايات وكل ما تحملها من ثمار وفرص بدلاً من الانتظار الطويل أو البدايات العاجلة غير المدروسة، احط نفسك بظروف تحفزك وأدوات تذكرك باستمرار بحلمك، وتمدك بما تحتاجه من معرفة وإلهام في سبيل البدء بمشروعك.
لديّ تجربة شخصية متواضعة أحسب أنها ناجحة في هذا المجال سأشاركها معكم من خلال هذا المقال، قبيل إطلاق برنامج البودكاست الخاص بي «أبجورة» في منصة البودكاست التي أؤمن أن انطلاق أيّ برنامج ناجح ومستمر فيها يعتمد على مهارتين: الإنصات والإلقاء.
مع مطلع عام 2016 كنت أملأ ساعات الصمت في يومي في النادي أو طريق ذهابي إلى العمل أو ارتشافي كوب قهوتي الصباحي بالاستماع إلى أصوات الكثير من الكتاب والمفكرين الذين بدأوا رحلتهم في عالم البودكاست مثل مالكوم غلادويل، أوبرا وينفري، وريد هوفمان. كنت أتأمل نصوصهم ومقابلاتهم وقصصهم بعيون فاحصة وآذان صاغية، أحلل الحلقة أحياناً، وأعيدها إن استدعى الأمر، وأشاركها في كثير من المرات مع الأصدقاء والزملاء، حتى بتّ مرجعاً عند معارفي لأحدث وأثرى برامج البودكاست.
أما المهارة الثانية فهي الإلقاء والسرد القصصي، اللي بدأت أمارسها بشكل مكثف حين أسست حسابي في سناب شات قبل عامين، لأشارك فيه المتابعين مواضيع متعددة.. وبالرغم من قلة أعداد المتابعين في ذلك الحين.. كنت أتعامل مع كل فرد قرر متابعتي كفرصة محتملة للتأثير والتغيير.. من خلال التحضير الجاد والبحث المستفيض للمواضيع، لاختصارها وتقديمها في قالب خفيف وماتع للمتابعين.. كنت أعيد التسجيل مرة ومرتين وثلاثة.. أرضاً عن أدائي حيناً، وتؤلمني الأصوات الناقدة بداخلي أحياناً أخرى.. حتى ألِفت الخطوات، وعشقت الصنعة، وأدمنت مشاركة المتابعين المعلومة.
هذه البدايات المتبعثرة سواء في تطوير مهارة الاستماع والتحليل، أو الإلقاء والتقديم كانت كفيلة بأن تمهد لي الطريق لأؤسس برنامجي الخاص بعد عامين، والذي تجاوز عدد مستمعيه مليون مستمع، وحصد جائزة الإعلام الجديد فضلاً عن تصدره قائمة الأكثر استماعاً في السعودية في أكثر من تصنيف.
لا يهم أن تبدأ كبيراً.. أنيقاً.. منظماً.. المهم فعلاً هو أن تبدأ حتى إذا وجدك الناس مستقبلاً.. تكون حينها قد كونت معرفة تراكمية دسمة، وخبرة عملية وشخصية ثرية.