عبد الرحمن بن محمد السدحان
- هناك مشكلةٌ يئنُّ من أوزارها الوطنُ وأهلُه، تَتَجسّد في تقاعس بعض الأخوةِ الحجّاج والمعتمرين العودة إلى بلادهم بعد أدائهم مهامَّهم حين تخونُهم الإرادة، وتخذلهم (الأنا) المتواطئةُ مع الطمع، ليبقَوْا في بلادنا مسْتترين أو (متَسترين) بذمم بعض المواطنين الذين (يستقطبونهم) إمّا ابتزازاً لهم، أو تهرُّباً من دخول (بيت الاستقدام) من أبوابه المشروعة!
* * *
- ليس سرّاً أمام هذه المشهد ونتيجةً له، أن بلادنا اضحت تعاني من تراكم ما بات يعرف بـ(العمالة السائبة) وبأعداد كبيرة تخيفُ الآمنَ من الناس في بيته أو مسجده أو في طريقه أو مقرّ عمله، تنتشر في حواضر مدننا وبواديها، أو «تستضيفُها» بعضُ (الأحياء) العشوائية أو تَستجيرُ بسفوح الجبال وكهوفها أو بطون الأودية، تمارس أيَّ عمل يُسند إليها، بلا تخصُّصٍ ولا خبرة، وتتقاضَى دخلاً (يتحوّل) إلى عملة صعبة تغزُو الآفاق القريبة والبعيدة!
* * *
- هنا.. نتساءلُ بمرارة: من المسئول عن هذا النمط من التَّخلُّف؟ أهو المتخلفُ نفسُه؟ أم بعضُ الجهات الرسمية المعنية بمتابعته وترحيله؟ والردُّ على ذلك لا يستثْني أحداً من التَّبِعة، لكن للقضية طَرفاً ثالثاً يستوي مع الأطراف الأخرى أهمّيةً، ذلكم هو المواطن، حين يوظَّفُ ذمّتَه وضميرَه وولاَءه لبلاده تستُّراً على وافد مُنِحَ فرصةَ القدُوم إلى البلاد لأداء شعيرة دينية ولا شيء سواها!
- وهنا أيضاً .. يأتي دور التَستُّر! وأكاد أجزمُ أنّ الوافدَ لن يجرؤَ على البقاء لحظةً في البلاد لو لمْ يجدْ من يتستَّر عليه بدْءا، فيوفر له العمل والزادَ والمأوى!
* * *
- إذن، فالمواطنُ شريكٌ في نشوُءِ هذه الظاهرة، ولن يُعفيَه من الوزْرِ ادعاءُ الجهل بالأنظمة، لأن إيواءَ وافدٍ لا يملكُ مسوغَ الإقامة المشْروعة أمرٌ لا يَتطلّبُ دهاءً ولا علماً ولا خبرةً، والإحساسُ بضَرر هذا الإجراء أمرٌ يدخل ضمن آداب المواطنة الحسنة، والانتماِء السويّ إلى الوطن!
* * *
- إن العقُوباتِ التي سنّتْها الدولة -أيدها الله- لاحتواءٍ ظاهرة تخلُّف بعض الوافدين إلى البلاد، حُجَّاجاً أو معتمرين، لم تَدعْ أحداً إلاّ شملتْه، بدْءاً بالمتَستَّر، وانتهاءً بالوافد نفسه، لكنّ للمواطن غيرِ المتَسترِ دوراً مسانداً يجب أن يُعينَ الدولةَ، لأنَّ الرَّدعَ وحدَه لا يفي بالغرض، ما لم يسْندْه وعيُ المواطن وتعاونُه، فلا يعين مُسيئاً على سوئه!
* * *
- أخيراً، أرى أنه لا بد من تكثيف الخطاب التَّوعَوي عبر كل المنابر الدينية والإعلامية للتعريف بهذه الظاهرة، اصّطِلاحاً وممارسةً وآثاراً، أملاً في إيقاظِ حسَّ المواطن وغيرته ووعيه وتعاونه، فهو حصن هذا الوطن بعد الله، و(تأْجيرُ) ذمتهِ بمثل هذه الممارسات غير السوية تسَتُّراً على شخص أو أشخاص، مهما كانت الأسباب، خطيئةً لا يتسامَحُ معها شرفُ الانتماءِ إلى الوطن!
- فهل نحن مهتدون؟!