د. محمد عبدالله الخازم
في زمن مضى أسس بعض الأكاديميين أطباء الأسرة نواة تدريب طب الأسرة في المملكة، وكان حماسهم كبيراً لدرجة إقناع صاحب القرار بعدم حاجتنا للابتعاث في طب الأسرة فلدينا الإمكانية لتأسيس برامج محلية، وفعلاً تقلص الابتعاث في هذا التخصص وأسس أكثر من برنامج تابع للجامعات. أصبح لدينا عدد لا باس به من أطباء الأسرة، لكن الإشكالية كانت في توهان نظام صحي في موضوع طب الأسرة وانتهى المطاف إلى أن أكثر من 60 في المائة من أطباء الأسرة (وفق دراسة للدكتور الخنيزان) يعملون في غير مجالهم؛ في التعليم والإدارة وفي مستشفيات تخصصية وليس مراكز طب أسرة.
وفي زمن مضى أدرك أصحاب القرار بأن لدينا نقصاً شديداً في الكوادر الفنية ففتح الباب على مصراعيه واتجه غير المؤهلين في المجال نحو افتتاح معاهد صحية، ومع خلط التجارة بالعلم والتصور الذهني لديهم بأنها مجرد تخصصات هامشية دونية في هرم الكوادر البشرية الصحية، لم يعتنوا بمخرجاتها. وفزعت هيئة التخصصات الصحية التي يفترض أن تكون الحارس والمقيم لتلك البرامج إلى المشاركة في تنفيذها عبر بيعها للمناهج وإشرافها على العملية التدريبية مباشرة، وفق مبالغ مالية تتقاضاها من جهات التدريب. وكانت النتيجة كارثية مازلنا نعاني منها بتخريج آلاف الفنيين غير المؤهلين، وفق معايير هيئة التخصصات الصحية.
مؤخراً؛ أعلن الحاجة لأعداد كبيرة في مجال طب الأسرة فقرروا تأسيس أكاديميات لتدريب طب الأسرة تحت مظلة هيئة التخصصات الصحية، التي كلما طالبنا بفصل أدوارها في الاعتماد والتقييم عن التنفيذ عاندتنا بمزيد من التدخل في العملية التدريبية التنفيذية. بشرتنا الهيئة بتأسيس أكاديميتين لتدريب 100 طبيب أسرة في العام تحت إشرافها وأين؟ في مدن طبية تخصصية كمدينة الملك فهد الطبية التي لا تملك الخبرة الكافية في مجال طب الأسرة، بحكم طبيعتها التخصصية. يبدو لي أن المبررات واضحة لدى أطباء الجراحة والمتخصصين في المجالات الدقيقة وهي (1) ممارسة طب الأسرة لا تتطلب الكثير من المهارات وسهل تدريسها أكاديمياً في فصول دراسية بدون تطبيقات عملية، طبيب الأسرة مجرد طبيب عام في مفهومهم. (2) لدينا مشكلة في استيعاب خريجي كليات الطب فلنفتح مجالاً لمن لا يقبل بالبرامج الطبية لدراسة طب الأسرة، وبالمناسبة المعاهد الصحية كانت تقبل غير القادرين على دخول الجامعات، أي الأدنى تعليمياً، (3) مدينتا فهد الطبية وسعود الطبية تحتاجان الدعم لزيادة مواردهما بحجة التدريب وليس مهماً خبرتهما ومجالهما وقدراتهما الاستيعابية في التخصص، فهي موضة تحول بعض المؤسسات الطبية للهوامش على حساب المتن وهو الخدمة الطبية. (4) ليس للهيئة سلطة على كليات الطب ذات الخبرة في المجال. و(5) هناك وعود بنظام صحي متطور يهتم بهذا المجال!
مهمتي النقدية تفرض علي القلق من تكرار تجارب غير جيدة، وأخشى تكرار تجارب سابقة غير إيجابية ومنها تجربة المعاهد الصحية حين كانت تبيع لهم المناهج وتشرف عليهم، ثم بعد ذلك تنصلت من مسؤوليتها وأثبتت فشلهم. ختاماً؛ لا أدري ما هو رأي أطباء الأسرة وخبراء التعليم الطبي في مثل هذا التوجه، وبهذه التفاصيل والحجم الكبير؟