د.عبدالعزيز العمر
في العقود الثلاثة الأخيرة أصبحت الدول تنظر إلى التعليم - وخصوصاً التعليم العالي- ليس باعتباره خدمة تقدمها الدول لمواطنيها، بل باعتباره قوة ناعمة (Soft Power) هائلة تحقق للدول من التطور والازدهار العلمي والمعرفي والصناعي والاقتصادي ما لا تحققه القوة الصلبة (العسكرية). لقد شاع مصطلح القوة الناعمة كبديل للقوة الصلبة بعد سقوط العالم ثنائي القطبية. ومصطلح القوة الناعمة يؤكد القدرة على الإقناع بدلاً من الإكراه، كما يؤكد استخدام الثقافة ومنظومة القيم والاقتصاد والمعرفة كقوى لإقناع الآخرين والتأثير عليهم. ويعد التعليم النوعي اليوم أحد أبرز أذرع القوة الناعمة بلا منازع. ولقد برز مفهوم القوة الناعمة بشكل أكبر عندما أصبح الاقتصاد والرفاه الإنساني عموماً يعتمد وبوضوح على المعرفة، أي على إنتاجها وفهمها وتحليلها وتطبيقها في شتى مناحي الحياة الإنسانية، وهذا هو تحديداً الدور المفصلي الذي يؤديه التعليم، بل إن التعليم نفسه باعتباره قوة ناعمة أصبح ذا طبيعة كونية تنافسة يستقطب أفضل العقول المبدعة من كل قارات الدنيا وكم هو مؤسف أن تقوم عبر التاريخ الدول ذات القوة الصلبة بتدمير حضارات الدول ذات القوة الناعمة، فالتاريخ يذكر أن الاسبرطيين الهمج المتوحشين الذين لا هم لهم سوى بناء عضلات شعبهم فقط وعسكرته (قوة صلبة) قاموا بتدمير أثينا معقل الفكر والفلسفة ومنبع الحضارة (قوة ناعمة). أن صراع القوى الصلبة مع القوة الناعمة يظهر اليوم أيضاً في الخلاف بين الكوريتين، فكوريا الشمالية ذات القوة الصلبة تهدد بسحق كوريا الجنوبية ذات القوة الناعمة، ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن الهند وباكستان. تذكروا أن كوريا الشمالية تعيش على معونات كوريا الجنوبية، في حين تقترب كوريا الجنوبية من قمة العالم تعليمياً واقتصادياً وصناعياً.