«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
اجتاز النفق الذي يصل شارع الظهران بشارع الثريات والذي فوقه تتقاطع وتدور السيارات والمركبات خلال سيرها في شارع مكة والشارع المؤدي لقصر هجر. وراح يمد نظره وسط عشرات السيارات التي تسير أمامه، حمد الله أن أمامه متسع من الوقت وسوف يصل إلى محل الحلويات قبل الصلاة، فهناك تنتظره «كيكة» ابنته الصغيرة فبعد صلاة المغرب سوف تحتفل بها والدتها مع قريباتها وصويحباتها وزميلاتها في «روضة» الحضانة. ما شاء الله الليلة سوف تطفىء معهن أربع شمعات. وربما لا تعلم كل من دعيت إلى حفل هذا المساء أن الاستعداد له كان مبكرا.. فلقد حرصت والدتها أن تطلب لها فستانا مزداناً بالدانتيل عبر أحد المواقع العالمية، ووصلها قبل يومين عبر إحدى شركات الشحن البريدية. كانت عيناه تنظر إلى «الكيكة» التي حملت صورة حفيدته الحلوة والتي سوف تنافس بحلاوتها وجمالها هذه «الكيكة» أو التورتة كما يحب أن يسميها البعض. رافقه عامل المحل الشهير إلى السيارة حاملاً العلبة البلاستيكية الشفافه التي احتضنت «الكيكة» ووضعها برفق في المقعد الخلفي وهو يدعو للمحتفى بها «سحاب» بطول العمر. ولم يتردد الأب أن يضع في يد العامل ورقة نقدية شاكراً له مشاعره.. بعد ربع ساعة تقريباً وصل إلى البيت بعدما طلب من زوجته أن ترسل له العاملة المنزلية لحمل «الكيكة» من السيارة. فهو على عجلة من أمره فسيذهب لإحضار حفيدة شقيقته لتشارك في حضور الحفل.
شاع الفرح داخل البيت فالجميع يسارع لتجهيز مكان الحفل والذي اختاروا له جزءاً من ساحة حديقة البيت الواسعة فتوزعت الكراسي حول طاولة الطعام التي نقلت من بعد صلاة العصر، وتم تغطيتها بالشراشف البيضاء مع احاطتها بأكاليل من الورق الملون، وتم تعليق عشرات البالونات وتم تصميم اسم الحلوة «سحاب» بصورها الصغيرة منذ كانت في المهد ووضع الاسم على حامل ليكون خلفها عند التقاط الصور التذكارية للحفلة، وبدأت أمها تشعر بنشوة تشع في عينيها وحتى كيانها وهي تشرف على توزيع الصحون الورقية والملاعق والشوك. كانت السعادة ترفرف في ساحة الحديقة وتهتز مع اهتزاز البالونات وبدأت قريبات المحتفى بها يصلن تباعاً، بعضهن بصحبة امهاتهن والبعض الآخر جاء برفقة المربية.
كل شيء في البيت بدا جميلا ومثيرا، بل ان شكل «الاحتفالية» بات بالغ الجمال والأناقة.. وراحت بعض الأمهات وحتى المربيات يلتقطن الصور لموقع الاحتفالية ويرسلنها مباشرة إلى قروباتهن الواتسابية.
وبدأت صالة البيت تزدحم بالمدعوين من الأطفال والبنات، وبدأت تصل إلى البيت أعداد غفيرة من الأمهات والأطفال لم تتم دعوتهن، فالاحتفالية محدودة وحتى الحلويات والعصائر كانت على قدر اعداد بنات وأطفال الأسرة فقط. وراحت تتصل الأم بزوجها تخبره بأنها وقعت في مشكلة فأعداد الذين وصلوا لعيد ميلاد ابنتهم في تزايد، لقد انتشر الخبر وصور الموقع لكل من هب ودب في المدينة، فطمأنها ألا تقلق، فالخير كثير وسوف يحضر معه بعد الصلاة المزيد من العصائر والحلويات فكل شيء ولله الحمد موجود ومن حسن الحظ أن أحد المجمعات على بعد خطوات من البيت. المهم أنها تؤجل الموعد قدر ما تستطيع ولا تحمل هماً.
ومن باب «الكراج» أدخل الأب سيارته المحملة، واقبلت الأم تساعدها ابنتها وشقيقاتها والعاملات في حمل ما ازدحمت به السيارة. وراحوا جميعا يضعونه على طاولة الطعام التي أضيف إليها عدد آخر من الطاولات. وبعد استكمال عملية الترتيب والتجهيز. طلبت الأم من الجميع التوجه لموقع الاحتفالية.. وخلال خروج الجميع فجأة إذا بموجة الغبار التي وصلت للمدينة تغطي الموقع بلونها الترابي الخانق. وليسقط حامل اللوحة الذي وقع على «كيكة العيد» لتسحقها ولتتطاير الصحون والملاعق مع صراخ الأطفال وضحكات البعض منهم وهم يشاهدون مشهدا غريبا لا ينسى في ليلة عيد الحلوة سحاب..! ليعود الجميع إلى داخل الصالة بعدما فعل الغبار فعله في إفشال فرحة عيد ميلاد سحاب. وراحت بعض الأمهات يتحدثن همساً، فهناك «عين حادة» أصابت الاحتفالية.. وفي زاوية من الصالة قالت واحدة خبيثة وحسودة: لا ومسمينها «سحاب» اسم على غير مسمى. لو كانت «سحاب» صحيح لساهمت في القضاء على موجة الغبار اللعينة.