د. أحمد الفراج
تتميز مجلة أتلانتك الأمريكية بأنها واحدة من أرقى المطبوعات، ولذا تحرص النخب السياسية والفكرية على قراءتها، خصوصاً وأنها تصدر عشرة أعداد سنوياً فقط، ويناهز عدد المشتركين فيها النصف مليون، وغالباً يؤخذ ما يطرح فيها بجدية، نظراً لكفاءة وتمكن ومهنية القائمين عليها، الذين يقدمون الكيف على الكم، وهي بهذا تشبه المجلات العلمية الرصينة، أكثر من انتمائها للإعلام التقليدي، وهذه المجلة، التي يرأس تحريرها حالياً جيفري قولدبرج، تأسست قبل أكثر من قرن ونصف في مدينة بوسطن العريقة، معقل جامعة هارفارد الراقية والمرموقة، على يد مجموعة من كبار المثقفين والكتاب، يتزعمهم فرانكس اندروود، ورالف ايمرسون، وهنري وادروورث، وجون قرينايف، واستمرت على رصانتها ونخبويتها حتى يومنا هذا.
نشرت هذه المجلة مؤخرا لقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واهتمام هذه المجلة الرصينة بلقاء سموه يعطي مؤشرا على الاهتمام المتزايد، لمعرفة كل ما يدور في المملكة اليوم من حراك، جعلها موضوعا دسما، تتحدث عنه وسائل الإعلام حول العالم باستمرار، وقد حرص المحاور أن يكون هذا اللقاء متميزا، ويليق بسمعة المجلة، ولذا تجاوز كل الخطوط الحمراء، وسأل كل الأسئلة الصعبة، التي كان الكثير يتطلع إلى إجاباتها، ولعله ظن أنه سيحرج الأمير، ولكن الأخير كان مستعدا لكل الاحتمالات، وصريحا وواضحا، لدرجة أذهلت المحاور، ومن قرأ اللقاء كاملا سيدرك على الفور أنه كان لقاء للتاريخ، ولا يشبه الحوارات الجافة والرسمية، التي اعتاد الناس عليها، في لقاءات زعامات العالمين العربي والإسلامي.
كان أبرز ما تحدث عنه سمو الأمير هو شرح مفهوم الإسلام، الذي تؤمن به المملكة قيادة وشعبا، وهو موضوع، طالما خاض فيه الإعلام الغربي، في معرض الربط، بين الإسلام والإرهاب، كما فنّد سموه -ببراعة - معظم المفاهيم الخاطئة، التي يتبناها معظم الغربيين عن الملكية المطلقة، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحرية التعبير، إذ تحدث سموه عن الفوارق الدينية والثقافية والاجتماعية بين الغرب والشرق، أو أمريكا والمملكة تحديدا، ودور ذلك في ترسيخ بعض المفاهيم الخاطئة لدى الباحث والمثقف الغربي، فمثلا تطالب المنظمات الحقوقية الغربية بإطلاق سراح من تم ايقافهم، بحجة أن ذلك ينافي حرية التعبير، دون أن تدرك أن ما قام به هؤلاء ليس حرية تعبير، بل تحريض، يدخل ضمن مهددات الأمن الوطني، وقد كان لافتاً أن المحاور أبدى دهشته في عدة مواضع، نتيجة لإجابات الأمير الواضحة والمباشرة والمقنعة، واللقاء كان ثريا للغاية، ورسم «خارطة طريق» المملكة الجديدة، وأنصح من لم يقرأه بقراءته، والتمعن بما ورد فيه!.