م/ نداء بن عامر الجليدي
بالرغم من المؤتمرات والندوات التي تعقد بين الحين والآخر، بهدف التأكيد على ضرورة الوصول إلى تنمية مستدامة تطال كافة القطاعات الحيوية، فإن واقع الحال والمؤشرات والوقائع تشير إلى أن هذه التنمية ما زالت في طور الولادة وتخطو خطواتها الأولى في كثير من مدننا.
وهي قد تتفاوت من مدينة إلى أخرى تبعا للإمكانات والظروف المتوافرة، والتنمية المستدامة في معظم مدن المملكة شهدت إخفاقاً في بعض القطاعات، مقابل بعض النجاح في قطاعات أخرى، ففي مدن محددة تحققت التنمية المستدامة في مجالات الصحة والتعليم ومستويات المعيشة، غير أن هذا النجاح بقي نسبياً ولم يصل إلى حدود الطموح لأسباب موضوعية، وذاتية متعددة.
وهذه الأسباب قد تتمحور في أغلبيتها ضمن عناوين تبدأ في غياب توزيع التنمية المستدامة والزيادة السكانية ومحدودية الأراضي وخصوصاً السكنية المطورة منها.. الخ من الأسباب المشاهدة للعيان.
ولأن هذه الأسباب وسواها، كانت وما زالت تشكل معوقاً للتنمية المستدامة، كان لا بد من تكريس وتأكيد المميزات التنموية لكل منطقة من مناطق المملكة من مفهوم دخلها المادي حسب إمكاناتها الزراعية كمنطقة تبوك والقصيم أو السياحية كمنطقة عسير ومحافظة الطائف أو السكنية كمكة المكرمة والمدينة المنورة وحتى الرياض كذلك وغيرها من الإمكانات، ذلك أن ما هو متوافر من إمكانات في هذه المنطقة أو تلك قد لا يتوافر في منطقة أخرى، وبالتالي فالعمل بهذه الإمكانات يفترض أن يمثل عنواناً جوهرياً لدينا مستقبلاً عند تحقيق أهداف وعناصر رؤية 2030، الذي يحمل بين طياته الكثير من التحديات التي تدفع وتشجع على ضرورة وعيها وإدراكها، وعلى وجه التحديد ما يتمثل منها في الجانب العمراني والاقتصادي، الذي بات بمثابة السلاح الأقوى في معايير ومفاهيم ما بعد المدن الصناعية، والخطط الخماسية، ويفترض أن لا يتمثل في قطاع دون آخر. ذلك أن التنمية المستدامة هي كل متكامل، فإذا كان النهوض الصناعي يشكل محوراً أساسياً، فذلك يعني وببساطة توفير كافة الشروط التي من شأنها الارتقاء بهذا القطاع، فحماية البيئة على سبيل المثال من مخاطر التلوث التي نشهدها اليوم بفعل التعديات على البيئة وطغيان السكني والصناعي على الأراضي الزراعية، هذه الحماية باتت تستوجب العمل على مستوى المناطق وليس على مستوى الأفراد والهيئات، فإذا كان الهدف الجوهري للتنمية المستدامة يتمثل في رفع مستوى المعيشة وخلق مدن ذات براق جميل لعيش بها ذات مردود اقتصادي على المملكة بشكل عام، فذلك يعني ضرورة دعم خطط العمل والبرامج الإقليمية والوطنية والمحلية من خلال تمويل المشروعات وفق هذه الرؤية للاستفادة من إمكانات هذه المناطق، إلى جانب إعطاء اهتمام خاص بالمعرفة لسكان هذه المناطق والرفع من إمكاناتهم الثقافية والاجتماعية.
كل ما أتينا على ذكره يبقى منقوصًا فيما يخص التنمية المستدامة في حال عدم الالتفات إلى الخدمات البلدية والصحية، لذلك لا بد من تعزيز الجهود في هذا الجانب من خلال توفير البنية التحتية والكوادر المؤهلة لقيادة هذين القطاعين المهمين في المناطق وخصوصاً افتقادها في كثير من مناطق المملكة كمستشفيات متخصصة مثلاً، ودعم برامج التوعية للنهوض بتنظيم الأسرة ورعاية الطفولة والأمومة، طبعاً دون إغفال أهمية التعليم والتوعية والبحث العلمي من خلال تشجيع الإدارة المتكاملة لموارد المياه وحماية مصادرها من مخاطر التلوث كونها تشكل عصب التنمية في أكثر من جانب والتأكيد على أهمية المصادر المتوافرة بجانب المصدر الرئيسي للنفط بالمنطقة الشرقية ووسط المملكة.
قد يستغرب البعض لو قلنا: إن الشروط الذاتية لترجمة التنمية المستدامة في مناطقنا متوافرة من جهة حضور الإمكانات المادية والثروات الطبيعية التي ما زالت خارج التوظيف الأمثل.