د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
التحولات والمتغيرات التي تطرأ على مزيج الطاقة العالمي يجب أن ينظر إليها كفرص واعدة وليس كمخاطر أو تهديدات تثير قلق المنتجين أو الشركات، حيث إن أغلب الشركات ستظل تعتمد على النفط والغاز بصفة أساسية، لكن ذلك لن يحول دون أن تعطي الشركات اهتماماً أكبر للاستثمارات في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، إذ يقدر ذا إنرجي كولكتيف الدولي أن قطاع الطاقة النظيفة حقق أكثر من 333 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في عام 2017 وهو يعد ثاني أعلى مستوى بعد الرقم القياسي الذي بلغه وقدره 360.3 مليار دولار في عام 2015، إلى أن هذا النمو في الاستثمارات يعكس اهتماما دوليا متزايدا بالتقنيات الذكية والطاقة المتجددة، حيث بدأ هذا التوجه بقوة منذ عام 2010 حيث تم استثمار ما مجموعه 2.5 تريليون دولار في الطاقة النظيفة، أغلبها كانت في الصين خصوصاً في توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحجم استثمارات قدره 132 مليار دولار في عام 2017 تليها الولايات المتحدة 67 مليار دولاً، ثم أستراليا والمكسيك في حين استثمرت اليابان وبريطانيا وألمانيا عام 2017 أقل مما كانت عليه في السنوات السابقة.
السعودية تتجه نحو تأسيس أكبر شركة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، والاستثمارات المتوقعة مع مجموعة سوفت بنك تناهز 200 مليار دولار، وستمثل حصة كبيرة من مجمل الإنتاج العالمي للكهرباء، يمكن أن تصل طاقة إنتاج المشروع إلى 200 جياجاوات بحلول عام 2030، سيضاعف ذلك إلى طاقة مركبة عالمياً تبلغ 400 جيجاوات ويمكن مقارنته بإجمالي قدرة التوليد النووية العالمية البالغة حوالي 390 جيجاوات كما في نهاية 2016، ستبدأ المرحلة الأولى من المشروع بـ7.2 جيجاوات.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد يقود تغييرا شاملا في وضع الاقتصاد من خلال تقليل الاعتماد على صادرات النفط الخام واستبدالها باقتصاد متنوع يقوم على زيادة الاستثمار في موارد الطاقة المختلفة خاصة الطاقة المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية ذات الإمكانات الوفيرة في السعودية.
أكد فينسيزو أروتا مدير شركة تيميكس أوليو الايطالية للطاقة، أن مشروع الطاقة الشمسية الجديد في السعودية، يعد واحداً من أضخم المشاريع العالمية في هذا المجال، حيث تصل الاستثمارات فيه إلى 200 مليار دولار، كما يتضمن كل الصناعات المرتبطة بهذه الطاقة مثل صناعة الألواح والبطاريات وغيرها، وهو ما سيجعل السعودية مركزا صناعيا وتصديريا مهما في هذا المجال إلى جميع أسواق المنطقة والعالم، وسينقل السعودية إلى صدارة المشهد العالمي في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة وبشكل مستدام طويل الأجل نظرا لما تتمتع به من مساحات شاسعة ووفرة أشعة الشمس بغزارة.
يعد المشروع ثاني أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم تشارك فيه مجموعة سوفت بنك اليابانية، والتي سوف تستثمر ما يصل إلى 20 مليار دولار إلى جانب شركتي فوكسكون وبهارتي إنتربرايز في مشاريع الطاقة الشمسية في الهند التي لديها هدف طموح لتوليد 100 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول 2022، وأكد تقرير صادر عن ماشابل الدولي أن مشروع الطاقة الشمسية في السعودية سيبلغ في قدرته 100 ضعف أي مشروع للطاقة الشمسية حول العالم، فـ 200 جيجاوات سوف تنتجها السعودية، بينما أضخم المشاريع الحالية في استرليا لا يتجاوز 2 جيجاوات، وفي الصين 1.5 جيجاوات.
تشكل هذه الاتفاقية إطارا جديدا لتطوير قطاع الطاقة الشمسية في السعودية، وتعد اتفاقية مكملة لما تم التوقيع عليه مسبقا في مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2017 وستنتهي دراسات الجدوى بين الطرفين حول هذا المشروع بحلول مايو 2018، وسيتم بموجبها تأسيس شركة جديدة لتوليد الطاقة الشمسية، إذ بدأ إطلاق العمل على محطتين شمسيتين بقدرة 3 جيجاوات و4.2 جيجاوات بحلول عام 2019 وتطوير تصنيع الألواح الشمسية في السعودية لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة ما بين 150 جيجاوات و200 جيجاوات بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن تساعد هذه المذكرة والمشاريع التي ستنتج منها السعودية بتوفير النفط في إنتاج الطاقة في السعودية، الذي من شأنه أن يعزز دور السعودية في إمداد أسواق العالم في النفط، لا سيما أن الطلب على النفط يتزايد باضطراب مع نضوب الإنتاج في بعض المناطق.
بل وسيساهم التخطيط لمشروع عملاق في الطاقة الشمسية بنقلة نوعية كبيرة في مسار الطاقة الدولية يعزز دور السعودية في قيادة أسواق الطاقة في العالم، خصوصاً وأن السعودية في قلب توليد الطاقة الشمسية التي هي من أهم موارد الطاقة المتجددة التي تنمو بمعدلات سريعة للغاية وتزداد باستمرار حجم مساهماتها في مزيج الطاقة العالمي، خاصة في ضوء تمتعها بالنظافة واعتماد اقتصادات كبرى عليها مثل اليابان، وهو استثمار متميز ورؤية صائبة من السعودية وسوفت بنك لخريطة الطاقة في العالم في السنوات المقبلة، خصوصاً وأن السعودية تتمتع بثراء واسع في الطاقة الشمسية ومساحات واسعة لا تتمتع بها دول العالم المتقدمة والمتعطشة للطاقة ما يؤهلها لتكون مركزاً دولياً لإنتاج هذه الطاقة، وستكون هذه الخطوة في إطار خطة السعودية للتحول والتنوع الاقتصادي التي تسعى فيها بخطوات جادة وسريعة نحو تقليل الاعتماد على النفط الخام.