في 1916 وقبل نهاية الحرب العالمية الأولى بسنتين، شعر الرئيس الأميركي آنذاك «ولسون»، أن أوروبا ستقسم العالم فيما بينها، وتخرج «الويلات المتحدة» خالية الوفاض. كما أن الشعب الأميركي البعيد جغرافياً كان مسالماً ويعتبر تلك الحرب لا تعنيه!.. ولكن الرئيس والإدارة والجيش لا يستطيع الانخراط في الحرب دون شعب! فتقرر إنشاء «لجنة كريل» التي هيمنت على الإعلام «النزيه»، وطردت من تريد ورَشَتْ من تريد من الإعلاميين واستطاعت خلال ستة أشهر تحويل المسالمين إلى شعب متعطش للدماء!
نجاح «لجنة كريل» مكنها من مدّ أذرعها الأخطبوطية، فتجاوز نشاطها الإعلام ليشمل المخابرات بنوعيها والإدارة العسكرية والسياسية والمؤسسات التشريعية ثم الرؤساء الأمريكان أنفسهم! وليس مستبعداً أن تكون «المكارثية» إحدى تفرعات تلك اللجنة. كما أنها تجاوزت حدود «الويلات المتحدة» لتشمل العالم أجمع بما في ذلك الدول الصناعية، التي من المفترض أنها في موقع الحليف والندّ.
بيد أن نجاح «لجنة كريل» في الهيمنة على الوعي العالمي وحجب الحقيقة وغسيل المخ وتشكيل الوعي «المناسب لها» بقرار، لا يمكنه أن يستمر إذا كانت المافيا مهزومة عسكرياً وسياسياً! كما أن مهمتها ليست الهيمنة على عقول الأمريكان وحسب، خاصّةً بعد دخول النظام الرأسمالي مرحلة الاحتكار أو «الإمبريالية» أو الشركات عابرات القارات أو «الرأسمالية المتوحشة».
صدقاً لا أعلم متى كانت الرأسمالية «غير متوحشة!»، فقمع الشغيلة إبان «كمونة باريس» في منتصف القرن التاسع عشر يرتقي إلى حرب إبادة، ثم تحويل البشر ذوي الوعي المضاد للرأسمال إلى حطب لخدمة المشروع الرأسمالي إبان الحرب العالمية الأولى بداية القرن العشرين وتقسيم العالم... كل ذلك ألا يعد عملاً متوحشاً؟
اعتبرت «لجنة كريل» عدم توقف الوعي المضاد للرأسمال وثورة أكتوبر هزيمة خطيرة تهدد «التوحش»، بالرغم من هيمنتها على 95 % أو أكثر من المافيات الإعلامية في العالم، ومحاربتها الشرسة -حتى وقتنا الحالي- للمراكز الإعلامية التي تستنكر دسائسها، فلجأت إلى «الفتنة بين الشعوب» عن طريق إثارة النعرات القومية والعنصرية والدينية والمذهبية ...الخ. أي بكلمات أخرى إثارة « العجاج الثقافي المتوحش» لحجب الحقيقة وتسيير القطعان «النخبوية» كما تشاء.
تتويج تلك النعرات بالحرب العالمية الثانية للجم «الثورة» لم يؤت ثماراً للمافيا، فالهزيمة لم تكن للفاشية بقدر ما كانت للتوحش! ودخول الدول الرأسمالية في حلف مع الاتحاد السوفيتي السابق، سببه أن الأداة التي صنعها التوحش بالنزعة القومية، التي تسمى «فاشية» والتي نفذت مشروع التوحش «بإخلاص مطلق» في قمع الثورة، لم تكتف بذلك وأرادت ابتلاع سيدها الذي أنشأها ذاته! أي التوحش.
عبقرية المافيا لم تعزُ «الهزيمة» إلا أن تلك الأداة فلتت من عقالها أو من تحكّمْ لجنة كريل «الخفية»، إلا أنها عزت تلك الهزيمة «لقصور الأداة المتوحشة» أو عدم اكتمالها! فأنشأت أداة جديدة أكثر توحشاً تجمع القوة والدين سويةً أو «الثيوقراطية»، في عصابة مافيوية واحدة اسمها (صهيونية)! ثم ألبست تلك العصابة ثوباً زاهياً على شكل دولة بدون جغرافيا، لكي تكون عصاً مسلطة على كل ما يمت بصلة لشيء اسمه «ثورة» في أي بقعة من بقاع العالم واسم تلك الدولة «إسرائيل».
قد يبدو للوهلة الأولى أن الوعي الثوري العالمي، وخاصة في الصين وروسيا، غافل عن هذه الأداة الجديدة ولا يدرك شموليتها ومشروعها لابتلاع العالم! ولا يستوعب أن الصهيونية موجودة في كل بقاع الأرض وكل الأديان والمذاهب واللا أديان حتى، ولكن المعركة بالنسبة «للثورة» ليست مع الوكيل بل مع الأصيل، كما أنها ليست عسكرية وحسب، إنما تبتدئ بالدبلوماسية كما يفعل بوتين، حيث لا يريد أكثر من التزام (إسرائيل) بالقرارات الأممية، وهو يعلم تماماً أن التزامها أو عدم التزامها سيؤدي إلى موتها لا محالة.
الرعب الصهيوني من «الهزيمة» النكراء في الحرب العالمية «الثالثة» الجارية على الأرض العربية بالدرجة الأولى، يتضح أكثر وأكثر كلما اندحر صهيوني داعشي أو قاعدي أو إخواني في أي بقعة كانت! ... وتحرك الأصيل الأمريكي لحماية الوكيل الصهيوني بالأساطيل العسكرية أو الأساطيل الفكرية أو النخبوية أو الدينية لن تجدي نفعاً.
- د.عادل العلي