لست حديث عهد بمعارض الكتب فلي أكثر من ثلاثين سنة أجول وأتخطف حولهم مذ كنت يافعاً وبما أن الكتاب خديني دائماً في الحل والترحال فمعارض الكتب خيرٌ لا بد منه ومع ذلك فهي من ذاك الوقت وحالها لم يتغير سوى رتوش بسيطة فقط كعمليات تجميل في كل مكان يُقام فيه للبروز الإعلامي وذلك مع تقادم الزمن فقد كان بالأمس تقليدياً صِرفاً ثم أخذ بالتطور وأقول تطور ولكن في نواحي لا يجب أن نبخسهم فيها حقوقهم وهذه حقيقة وطبيعة وقت متسارع في التغير وكذلك الأسعار ظلت تتزايد في كل معرض ليس اطراداً حسب الأوضاع الاقتصادية وإنما تجارياً بالدرجة الأولى والغاية الربحية أصبحت هي المقصد الأول وقد يكون ذلك فمن حق الجميع أن يبحث عن مخارج لرزقه فهذا أمر شرعي أليس كذلك ؟! ولكن أن يكون هدفاً رئيسياً ومن مؤسسات تُدعى أنها غير ربحية أيضاً دون مبالاة فأعتقد أن الكتاب والثقافة والعلم في خطر مدلهم ! استثناءً لبعض المؤسسات الحكومية كدارة الملك عبدالعزيز والمجلس الوطني للآداب في الكويت حيث كانت لي تجربة ذلك في معرض الرياض الأخير وهذه تُحسب لهم.
ومنصات توقيع الكتب والمقابلات الاستعراضية والمؤتمرات الصحفيّة قد أصبحت عبثاً موسمياً لصغار الكتّاب وفوضى المعجبين السذّج ! يصعدون إليها ويوقّعون ونواجذهم يراها من يقبل عند عتبة الأبواب وقد بدت على محياه ابتسامة الغبطة والرضى وفيها شَرَكٌ من حبائل الشهرة المزيّفة والانتفاخ الغث !
وهذه عادة جرى عليها الغرب من قبل حين يروجون للكتاب وصاحبه في المكتبات الكبيرة التي لها أحقيّة النشر ولا تعني غير الربحية وزيادة الغلّة وقد استغلتها دور النشر في معارض الكتاب العربي على أهميتها ولكن كفرصة سانحة للترويج المبتذل وكان من المفترض أن يأتي للمنصة والمؤتمرات أصحاب الفكر والأدب والشعر ذو العقول العتيقة في الكتابة والنظم لا أن يكون ممن استهواه الغرور المبكر فيستعجل الصعود بعكازين فيكون كمن أضاع المشيتين فكان هو ثالثة الأثافي في الجهل بقيمة الكتاب ! المؤلف والبائع والمشتري وكأنهم لم يعلموا أن الجرجاني والجاحظ وغيرهما من العلماء والكتّاب الذين صرفوا جلّ أعمارهم ومعين عقولهم وغضارة حياتهم في التأليف والكتابة متحرزين من العبث والغفلة يعرفون حق الكتاب والكتّاب حتى استنزفوا في ذلك أقوالهم عن شرف هذه المهنة ومكانتها في المجتمعات وأنهم قادة الفكر والتطور في أوطانهم لذلك لم يخطئ الجاحظ حين قال: إن من يكتب فإنما يعرض عقله للناس !
حين تطأ قدماي أرض المعرض بكمالياته وزينته المعهودة لا أجد كعبدالله الغذامي يحتفل بالتوقيع على كتبه ولا أضرابه من الكبار ولا حتى ممن يحترف الكتابة كفن وموهبة إلا أحياناً وهذا أيضاً ممن لم يكتمل نموّه بعد فلم يكبر بعد حتى يصل إلى السجادة الحمراء فورائه ليل طويل كليل امرئ القيس ! ولكن مثل هذا يستحق التشجيع !
أحياناً ينقلب المعرض في أيامنا كروضة أطفال وملهى لإشباع رغبات الصغار من اللعب وفرصة لتغيير المناخ الأسري كتسلية للرضّع مع الخادمات فتعيش حالة من الضوضاء والإزعاج لا تستطيع أن تفتش بواطن الكتب لتبتاع ما يحلو لك ! هكذا كان معرض الكتاب الأخير في قلعة عراد في دولة البحرين ! فهل من تغذية راجعة لذلك ؟!
أخيراً تعجب حين تشتري رواية لبعض الكتّاب الصغار بمبلغ يقارب المائة وترى كتابا لطه حسين أو لغازي القصيبي بغض النظر عن إعادة طبعه عدة مرات لا يتجاوز الثلاثين ريالاً !! .
- زياد السبيت