صباح الخير ..
مر زمن طويل لم أكاتبك فيه يا صديقتي ..
غريبة هي الأيام حين ننشغل فيها فتأخذنا من كل شيء حتى منا! لا غرابة إن قلت لك جئتك وفي جعبتي الكثير من الحكايات التي ملأتني بها الأيام
أخبريني كيف كانت أيامك؟ ترى هل لازلت تذكرينني؟
أما أنا فإني في شوق شديد إليك! لو تعلمين كم مرة فتحت الجهاز لأكتب إليك لكني لم أستطع لعذرت غيابي!
لن أخبرك سبب غيابي المتصل الآن لعلي أخبرك عنه في رسائلي القادمة، أما الآن فدعيني أبدأ بالقول:
عجبت للأيام يا صديقتي كيف تقلبنا على كل وجه وتختبر فينا كل صبر وتأخذنا في مساربها جيئة وذهابا حتى لا تذر فينا شيئا إلا امتحنته!
لا أنفك أذكر هذا المشهد حين كنت طفلة تلعب أمام بيتها بذلك التراب المركون بين منزلنا ومنزل جيراننا كان الوقت ضحى وأصوات السيارات والأطفال وصراخ الأهل يملأ الشارع كانت أقصى أمانيّ أن أكمل اللعب دون أن يقاطعني ابن جارتنا ويضربني كالعادة ..
الآن وقد تجولت في هذه الحياة وعشت فيها كل تجربة يمكن أن تخطر على بال إنسان وجدت أن فكرة ضرب ابن جارتنا لي لم تكن بذلك السوء! الحق أن دافعه اللاواعي واللاشعوري كان لطيفا؛ لقد كان يبدي اهتمامه بي بضربي كعادة الشارع السعودي في ذلك الوقت!
أظنها عادة الشارع السعودي حتى الآن!
حسنا لا أريد أن أسترسل أكثر على أن موضوع الشارع السعودي شائق/ك لكني سأعود إلى فكرتي
لقد اكتشفت أن كل تجربة مررت بها أو اختبرتها فتحت أمامي عوالم عظيمة من الوعي لم أكن لأعرفها لولا هذه التجارب.
لكن الغريب يا صديقتي أنني بدأت مؤخرا برؤية الفكاهة في كل الأحداث التي تمر علي أو أمر عليها أو تجدني أو أجدها ثم حس كوني شديد الفكاهة يسير بعض الأمور، حين تستطيعين رؤية هذا الحس الفكاهي في كل حدث يمر أمامك حينها فقط ستقعين ضاحكة! أقولها حقا! جربي في المرة القادمة أن تري ما أقول وانظري إلى كم الاختلاف الحق الذي ستعيشيه حينها!
إن غالب ما يحدث في هذه الحياة يدعو للضحك حقا! فنحن نريد أشياء ونطرق أبوابها ونتلطف ونحتال للحصول عليها بكل حيلة وما تزال تتأبى علينا؛ ثم تأت من لا تريدها فيكفيها منها أن تمر إلى جانبها حتى تندلق عليها اندلاق من لم يجد من يطلبه! وتفتح لنا أبواب ما لا نريد فتدفعنا نحوها دفعا حتى نعلق بها تلك الأبواب نفسها التي قد حفيت أقدام إحداهن ركضا خلفها وهي ما تزال تتأبى عليها!
أليس هذا مضحكا؟
أما بعد:
فهل يصح أن أختم مقالتي دون أن يكون ختامها بأبيات سيد السخرية المعري؟
يقول:
إذا علمي الأشياء جرّ مضرّة
إليّ فإن الجهل أن أطلب العلما
وما رضيتْ رضوى من الدهر حكمه
وإن كان سلمى غير مرزوقةٍ سِلما
عفا الله عن صاف الحِجى متنبّه
يرى خفضه بؤسى ويقضته حُلما
فما روضهُ مرعى ولا يُسره غنى
ولا صبحه أضحى ولا ليله ألمى
- مها الحميضان