سلمان بن محمد العُمري
يعد سقيا الماء من أفضل الصدقات الجارية بل هو أفضلها، وهي مما أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام. روى الإمام أحمد وغيره عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم. قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء. حسنه الألباني.
وسبق أن طرحتُ فكرة مشروع وقف سقيا الماء باعتباره أحد المشاريع المتميزة التي تحقق مبدأ التنوع في الخدمات الوقفية، ويعزز التراحم والتكافل الذي يحث عليه ديننا الإسلامي الحنيف.
ويهدف المشروع إلى إنشاء برادات ماء بطابع عمراني إسلامي جميل، تكون مثابة الأسبلة المعروفة على مدى التاريخ الإسلامي القديم، وتوفر المياه العذبة الباردة للمارة وعابري السبيل بأسلوب حضاري مميز، وتوزع في أماكن مختلفة، وتختلف أحجامها باختلاف مواقعها والحاجة لها. ومما يلاحظ اليوم أن برادات الماء في الطرقات العامة والفرعية، التي يقوم فاعلو الخير الذين بوضعها، تفتقر إلى جمال السقاية وجاذبيتها التي كانت موجودة في تراثنا العربي والإسلامي، وشكلت حقًّا أحد المعالم المعمارية الإسلامية البديعة.
ومن هذا المنبر أجدد تقديم المقترح: إنشاء وقف باسم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن (مؤسس البلاد)، وهو عبارة عن إنشاء برادات حديثة بطرازها الإسلامي القديم في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية إحياء ومحافظة لهذا التراث الجميل، وإحياء لهذه السنة مما يعود بالنفع على الإنسان مهما كان جنسه أو دينه من خلال توافر المياه العذبة لشربه.. وحينما يكون باسم الملك المؤسس كصدقة جارية له ولوالديه وذريته يكون تقديرًا وعرفانًا لما قدمه الإمام المجاهد لدينه ووطنه وأمته. وهذا ما نتطلع إليه من ملك الوفاء والحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتشجيعه وتأييده كل عمل خير ومفيد.
إنَّ قيام المشروع بتنوُّع سيوفِّر بهذه السقايات المياه العذبة الباردة في برادات مصممة بطراز تراثي إسلامي فريد من نوعه، وبشكل حضاري جميل، ويتم توزيعها في أماكن مختلفة متنوعة أحجامها بتنوع مواقعها والحاجة لها، وتشرف أمانات المناطق بالتعاون مع فروع وزارة البيئة والمياه والزراعة على تصميمها وتنفيذها وتوزيعها وصيانتها وجمع الأموال من الواقفين لها؛ فتوفير المياه الباردة النقية الصالحة للشرب حقٌّ يتوجب علينا توفيره لجميع فئات المجتمع، كما أن انتشار هذا المشروع في البلاد هو انتشار للصدقة الجارية.
لنتصور كيف سيكون شكل سقايات يُستخدم في تنفيذها جماليات السيراميك المغربي - على سبيل المثال - ويُلحق ببراد الماء في حجرة التبريد وحدتا تحلية وتنقية، يمر الماء من خلالهما قبل تبريده؛ ليضاهي عند خروجه جودة المياه المعدنية.
إنَّ هذا المشروع الوقفي يهدف إلى نشر الصدقة الجارية، وتخفيف بعض ما تعانيه الأسر المحتاجة من عدم التمكن من شراء أجهزة تبريد الماء، أو شراء العبوات الباردة، وذلك بوضع هذه البرادات بين المنازل وأماكن التجمع.. والوجهة الجمالية الحضارية اللازمة لهذه البرادات ستُعطي شكلاً مميزًا للمكان الذي توجد به. وكذا يخفف عن عابري الطريق من المواطنين والمقيمين والعاملين في الشوارع والميادين، وغيرهم.