نجومية اللاعب لا تقتصر فقط على الجانب الفني, ومكوناته المهارية والنفسية والذهنية, بل إن النجومية الحقة تتمثل في الوعي الرياضي, والقيم الأخلاقية، والتفاعل الإنساني، وتعميق معاني المسئولية الاجتماعية في المجتمع الرياضي وغير الرياضي.. وعندما نتحدث عن واقع ومستقبل (المسئولية الاجتماعية) في مجتمعنا الرياضي تحديدا, التي تعني» تقديم التبرعات الإنسانية والمبادرات الخيرية والخدمات التطوعية بدون أي التزام قانوني ينطلق من يقظة الفرد وحسه الإنساني ووعي ضميره وسلوكه للواجب الشخصي والاجتماعي»، أي قيام الفرد والتزامه الأخلاقي بواجباته نحو ذاته ومجتمعه.. نجد أن العمل بمفهوم وثقافة المسئولية الاجتماعية في مجتمعنا الرياضي مازال بعيداً كل البعد عن التطبيق الجدي, والممارسة الأخلاقية والتفاعل الاجتماعي في الإسهام في دعم القضايا الإنسانية والهموم المجتمعية وإرهاصاتها كما يفعل معظم نجوم العالم..!! رغم أن ديننا الإسلامي الحنيف يدعو ويحث على وجوب العطاء والبذل والإنفاق ومبدأ التكافل, لذلك فإن ثقافة العطاء والتطوع وإعمال الخير والمشاركة الوجدانية في إطارها الأخلاقي والإنساني والاجتماعي -مع الأسف- نجدها شبه مغيبة على صعيد نجوم الكرة الذين أغدقتهم الملايين, وحتى معظم أنديتنا التي تعيش في فلك الاستثمارات الكبيرة وعوائدها المالية..!! في الوقت الذي تتسابق فيه معظم الأندية الأوروبية في تكريس مفهوم المسئولية الاجتماعية وتجسيده على ارض الواقع، وخصصت بندا ضمن إستراتيجيتها وميزانيتها السنوية دعما للأعمال التطوعية والقضايا المجتمعية والمشروعات الخيرية المنبثقة من رحم المسئولية الاجتماعية.. ومع ارتفاع إيراداتها وعوائدها المالية.. وارتفاع أيضا مستوى (الوعي) الذي وصلت إليها هذه الأندية النموذجية.. مثل النادي الاسباني الكبير (برشلونة) الذي خصص 7% من عوائده واستثماراته لصالح المشروعات الخيرية.. تحول العمل بمفهوم ولغة المسئولية الاجتماعية من عمل أخلاقي واجتماعي بصبغه تطوعية.. إلى واجب قانوني وإلزامي تأييداً لما يحقق قدرا من التكامل والتكافل الاجتماعي.
أما على صعيد نجوم الكرة العالمية.. فهناك نماذج صنعت نجوميتها الحقيقية في ميدان العمل بمفهوم (المسئولية الاجتماعية).. وهي تستحق الإعجاب ولفت الأنظار والإشادة المهنية, فهذا نجم ليفربول العربي الشهير (محمد صلاح), يتألق في مضمار المسئولية الاجتماعية ويسجل أروع الأهداف السامية بحس انساني, ووعي مجتمعي وعمق وطني، وبعد حضاري, فقد كانت له إسهامات نبيلة في مجال الأعمال الخيرية واتجاهاتها الاجتماعية التكافلية ومنطلقاتها الانسانية، إذ رصد (7 ملايين) جنيه لبناء معهد الأزهري الديني, وتبرع بـ(5 ملايين) دعماً له، كما تحمل تكاليف زواج (70) شاباً وفتاة من أهل قريته. وتبرعه أيضاً لإنشاء وحدة للغسيل الكلوي بقريته لعلاج المرضى, هذا بجانب تأسيسه جمعية صلاح الخيرية تساعد (3000) محتاج شهريا..! كما امتدت أعماله الخيرية في قالبها الوفائي بدعمه المالي لجمعية اللاعبين القدامى وتمويلها لتحقيق أهدافها السامية ورسالتها النبيلة لسد احتياجات اللاعبين كبادرة حضارية ووفاء لنجوم الكرة المصرية السابقين المعوزين..!! فما أروعها من قيم عندما يكون اللاعب العربي المسلم مجموعة خيرية رياضية متنقلة. كما شارك بعطائه التنويري في إعلانات توعوية (مجاناً) تتناول قضايا تهدد الشباب مثل: تعاطي المخدرات وخطورتها على المجتمع، أما على صعيد الوعي الرياضي للنجم الكبير.. يتمثل في التزامه الأخلاقي وانضباطه السلوكي داخل وخارج الملعب، وحرصه على الظهور بمظهر يجسد تعاليم الدين الإسلامي القويم.. وخلاصة هذه الصورة المثالية أن كتبت احدى الصحف العربية أن (17) شخصاً في انجلترا أعلنوا إسلامهم اقتداء بأخلاق اللاعب الكبير (محمد صلاح) وروحه العالية، ولا غرابة من ذلك فقد شاهدنا هذا النجم العربي الأصيل مع كل هدف يسجله يسجد شكراً لله سبحانه..وبالشكر تدوم النعم.
هذه الأرقام والمعطيات والمبادرات التكافلية التي قدمها (صلاح المسئولية الاجتماعية) في مسيرته الانجازية.. لا مناص عندما نقارنها مع واقع مجتمعنا الرياضي نجد أن ثمة أزمة وعي ثقافية حول مفهوم (المسئولية الاجتماعية) في العمل الرياضي.. وبذات الوقت يكشف لنا وبجلاء أن الوسط الرياضي ومكوناته لم يدرك قيمة وأهمية وأهداف (الرياضة) كرسالة انسانية وظاهرة اجتماعية وقيم أخلاقية، وممارسة فكرية وروح وعطاء ووفاء.. ينبغي أن يكون العمل بمفهوم (المسئولية الاجتماعية) ضمن أولويات قطاع الرياضة كما يحدث في المجتمعات المتحضرة.
** **
خالد الدوس - باحث متخصص في القضايا الاجتماعية