محمد المنيف
قليل من التشكيليين وغيرهم ممن شاهد لوحات ومعارض الراحل فهد الحجيلان، أحد رموز الفن التشكيلي السعودي، يعلمون أنه كان يمر بمعاناة طيلة حياته، كان يحدثني عن القليل منها، لا يتحملها إلا مثله من الصابرين، دون ضجيج أو استجداء أو إبدائها بالتذلل والتقرب من أصحاب الشأن في مجاله التشكيلي من مسؤولين.. كان عفيف النفس، يغطي حزنه بابتساماته ومرحه وما يضفيه على من حوله من التعليقات الطريفة. زاملته في موقعين: الأول معهد العاصمة النموذجي حينما كنا نعمل في تدريس التربية الفنية. كان محبوبًا جدًّا عند طلابه، يتعامل معهم كالأب. إحساس يعيشه مع أبنائه رفاق دربه في حياته الصعبة.
أما الزمالة الثانية مع الراحل فهد فكانت في جريدة الجزيرة؛ إذ كان يأتي ليرتشف الشاي في مكتبي بهدوئه؛ ليطفئ بعضًا من آلامه مهما أخفاها متحملاً ضغطي عليه للفضفضة التي كان يجد فيها متنفسًا ليشكو بعض همومه وأسراره مع ما كان يغمرني به من اتصال هاتفي، يبث فيه مودته -رحمه الله-. كان كبيرًا في صبره، وكبيرًا في إبداعه.. ولم يكن يعلم البعض ممن يرون ردود فعله السريعة أنها لا تشكل صفرًا أمام ما يشعر به من أمور، أشار إلى بعضها في رسالته.
لم يكن متقربًا لأحد لمصلحة، ولم يمد يده في أحلك الأيام بقدر ما كانت يده العليا.. استُغلت حاجته فوجدها المبتزون فرصة لاقتناص أعماله بأقل من ثمنها الحقيقي لعلمهم بقيمتها الفنية ومكاسبها المستقبلية، مع ما كان يهديه لكل من يزوره أو يعجب بأي من لوحاته دون ثمن.
رحل فهد الحجيلان بعد أن أودع التاريخ معاناته في لوحاته، ورسالة قاسية بعبارات تدمي القلب؛ ليقول لمن كان يتجاهل إبداعه «كنتم تدمون مقلتَيّ كلما عدت إلى مرسمي المتواضع المليء بأسراري».. رحل وترك رسالته لكل مسؤول نيابة عن المبدعين بأن لا يعتقدوا أن المبدع، أديبًا أو تشكيليًّا، وُلد وفي يدَيه فرشاة أو قلم من ذهب.