د. محمد بن يحيى الفال
لو تخيلنا التاريخ الذي مرت بها بلادنا حفظها الله من كل مكروه كرحلة عبر الزمن، فإننا قطعاً وبلا جدال لن نجد من هو متمرس وخبير وعلى اطلاع كامل بكل التفاصيل الدقيقة لهذه الرحلة كما هو الحال مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأيده بنصره. تربى في كنف والده الإمام الموحد -رحمه الله- وترعرع ليكون شاهداً على كل المعضلات والتحديات التي واجهها الملك الموحد، بعد أن قيض له المولى جلت قدرته توحيد البلاد في دولة أضحت من أكثر دول العالم تأثيرا كونها حاضنة لمقدسات المسلمين في كل أرجاء المعمورة، وأحد أهم الدول المؤثرة في اقتصاد العالم بما حباها الله من خيرات وثروات. تحديات توحيد المملكة كانت كثيرة ومتعددة بعضها من الداخل وجُلها من الخارج، وتحديداً من الدول العظمي التي توجست من الدولة الحديثة الـتأسيس بقيادة الملك الإمام عبدالعزيز، الشخصية الفذة والشجاعة وغير المترددة في اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، والتي ومع توجسهم منها فقد ألهبت شخصيته خيال الساسة في الغرب لما عُرف عنه من حنكة وشجاعة نادرة ومقدرة على التحرك لاتخاذ القرار الصحيح والصائب في الوقت المناسب. عاصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كفتى يافع هذه البيئة التي تداخل فيها عنصران رئيسان، هما كيفية إبعاد الدولة الحديثة النشأة عن النزاعات والتدخلات الدولية، وبين المضي بها قدما نحو الشروع في بنائها كدولة حديثة بمساحة شاسعة تشبه القارة. لقد أثرت هذه المرحلة تجربة الملك سلمان في الحكم بشكل كبير وعميق، ونشاهد ذلك في اتفاق الجميع بأنه كان الأكثر شبها بوالده الملك الإمام الموحد سواء كان ذلك الشبه في الخلقة أو في الحنكة والحُلم والمقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة وفي الوقت المناسب. ومن خلال النظر في رحلة بلادنا منذ نشأتها وحتى وقتنا الحاضر، فإننا نرى إنجازين عظيمين ومهمين لكل من الملك الإمام الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فالإنجاز الأول الذي بدأت به مسيرة رحلة بلادنا نحو الرُقي والتقدم كان قبل مائة وست عشرة سنة حيث فُتحت الرياض، ليعقب ذلك وبعد ثلاثة عقود، الإنجاز المهم الثاني للملك الموحد الإعلان للعالم عن ميلاد الدولة السعودية الثالثة، كدولة فتية موحدة باسم المملكة العربية السعودية. بدأت الدولة الفتية أول خطواتها نحو البناء وكن وليكون الملك سلمان ليس فقط شاهدا على هذه المرحلة التي أعقبت توحيدها، بل أحد أهم أركانها، وليقدم لنا جميعاً إنجازه العملي والمهم والخاص بتطوير عاصمتنا الحبيبة، وتحويلها خلال خمسة عقود من العمل الدؤوب والمضني من مدينة صغيرة إلى أحد أهم الحواضر ليس فقط بمنطقة الشرق الأوسط بل والعالم أجمع. وانطلاقا من خبرته العملية في الحكم وكافة الأمور المتعلقة بشؤون الدولة ومستقبلها، ومعرفة تامة بكل التفاصيل الدقيقة التي تمر بها بلادنا والمنطقة من جميع جوانبها الأمنية والاقتصادية، جاء اختياره لسمو الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد. إنه الاختيار الذي جاء في الوقت المناسب بالرجل المناسب القادر على تجديد المملكة وتحديثها ونقلها بسرعة فائقة نحو نمط اقتصادي جديد ينهي اعتماد الميزانية العامة للدولة على سلعة النفط المتذبذبة في سعرها التي تواجه كذلك منافسة حادة خصوصاً من عالم صناعة السيارات الكهربائية. وعليه أطلق سمو ولي العهد كل من البرنامجين الاقتصاديين الطموحين والهادفين إلى تطوير كل الآليات التي يعمل بها الاقتصاد السعودي من ألفه إلى يائه، وهما برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030. ويعتبر برنامج التحول الوطني الذي شمل 24 جهة ومؤسسة حكومية لها علاقة مباشرة بالشأن الاقتصادي والتنموي في المملكة، بمثابة استكمال لعمل الخطط الخمسية التي تأسس عليها العمل الاقتصادي في المملكة وذلك منذ انطلاق الخطة الخمسية للتنمية في السبعينات الميلادية من القرن المنصرم، بيد أن الفارق الجوهري في آليات عمل برنامج التحول الوطني وما يفرقه عن الخطط الخمسية التنموية السابقة بأنه سيعمل بأن يحقق ما عجزت عن تحقيقه الخطط الخمسية وهو تقليل اعتماد ميزانية الدولة العامة على خام النفط، وعليه فالبرنامج الطموح سيعمل بآليات عمل جديدة وطموحة ورائدة ومختلفة عن ما تم في السابق ولعقود من الزمن وليعمل كركيزة محورية وأساسية لتنفيذ رؤية المملكة 2030، التي هي وباختصار شديد تحويل اعتماد اقتصاد المملكة على سلعة النفط، والتوجه بالاقتصاد السعودي وبمشاركة القطاع الخاص السعودي والأجنبي نحو اقتصاد الاستثمار بتنوع شمل على قائمة اهتماماته توسيع الطاقة الاستيعابية للحجاج والزوار في كل مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويعتبر مشروع التوسيع هذا من أهم المشاريع التي يرعها سمو ولي العهد بعناية خاصة وتضعها قيادة المملكة على رأس هرم أولوياتها وذلكنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وذلك من أجل رفع القدرة الاستيعابية في الحرمين الشريفين وفي المشاعر المقدسة لأقصاها لتمكين الأعداد المتزايدة والمتضاعفة سنوياً من ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين من أداء شعائرها الدينية بكل يُسر وبخدمات متميزة. ومن أجل بداية قوية وبرسائل لا لبس فيها للداخل والخارج عن البدء العملي لإطلاق صناعة الاستثمار لمستقبل الاقتصاد في المملكة، فقد انطلق سمو ولي العهد لتحقيق ذلك من محورين أساسين في هذا المجال بعد إطلاقه لبرنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030، والمحوران هما محاربة الفساد وعقد شراكات مع الدول المتقدمة صناعياً لنقل تكنولوجيتيها وخبراتها إلى المملكة. لن يختلف اثنان بأن لصناعة الاستثمار أن يكتب لها النجاح، فلابد لها من بيئة شفافة لا تُحابي أحداً وبفرص متكافئة وبنفس الواجبات والمسؤوليات لكل الراغبين في الاستثمار في المملكة، وعليه صدر الأمر السامي الكريم بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد، وكانت الرسالة الهامة التي أرسلتها اللجنة لكل العالم في أول أعمالها بأنه ليس هناك من هو فوق المُساءلة، وتمت تبرئة الكثيرين وبقي لهم التقدير والاحترام بعد ثبوت براءتهم، وتم في المقابل إنجاز تسويات مالية مع آخرين وهو أمر مُتعارف عليه في مثل هذه الحالات في أغلب دول العالم، بما فيها الدول الصناعية المتقدمة. وحتى يكون الاستثمار فاعلاً وبمستقبل واعد، فكان من الأهمية بمكان إعطاؤه دفعة قوية واستثنائية، تشبه دفع دماء في عروق جافة للبدء في صناعة استثمار جادة، صناعة استثمار لاقتصاد سعودي مُنتج وليس فقط اقتصاد مُستهلك وكما هو أغلبه حالياً، وهو الأمر الذي قام به سمو ولي العهد وبامتياز ومقدرة وبسرعة فائقة قل نظيرها ولم يسبق لهما مثيل، ونُشاهد ذلك في الشراكات الهامة التي أقامها سموه من خلال جولات عمل لعديد من دول العالم في الشرق والغرب شملت روسيا، الصين، اليابان، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والتي زارها سموه أكثر من مرة، ولما تمثله أمريكا من قوة اقتصادية عالمية مهمة وبعلاقات سياسية واقتصادية متجذرة وتاريخية مع المملكة منذ أكثر من سبعة عقود. ولقد أسفرت هذه الشراكات التي أقامها سموه مع هذه الدول على التوقيع على اتفاقيات لمشاريع ضخمة في العديد من الأنشطة الاستثمارية شملت صناعة الطاقة سواء النووية أو الشمسية،توطين العديد من الصناعات العسكرية، دعم صناعات المستوى الرقمي وتوطين صناعة ترفيه بمستوى عالمي في المملكة. ولم تقتصر إنجازات سموه في سنته الأولى في ولاية العهد التي ذكر غيض من فيضها أعلاه على كل من محوري محاربة الفساد وعقد شراكات استثمارية للدفع بالاقتصاد السعودي نحو أفق أرحب ومُشرق، ففي الداخل تم إصدار العديد من المراسيم والقرارات ولعل أهمها ما يتعلق بتمكين المرأة السعودية لتكون شريكة الرجل في نهضة بلادها، وهو أمر مهم للغاية للدفع بالاقتصاد السعودي نحو النجاح والتنافسية، وهو الأمر الذي يستحيل تحقيقه مع تعطيل نصف المجتمع والمتمثل بالمرأة. عليه فقد جاء الأمر السامي الكريم بالسماح للمرأة بقيادة السيارة بدءاً من شهر شوال المقبل مع قرارات عدة لدعم حقوق المرآة في التغاضي العادل والناجز بما في ذلك حقوق حضانتها لأطفالها والحصول على نفقتهم في حالة الطلاق، حقوق هي من صميم روح الشريعة الإسلامية الغراء التي تكفل العدالة للجميع، وكذلك فقد صدرت قرارات تسمح بالعروض السينمائية، التي ستكون قيمتها المضافة والمتوقعة قيام صناعة سينما سعودية وطنية، نحن في حاجة ماسة لها لتعريف العالم بقيم المملكة الدينية والثقافية التي نفخر بها ونعتز بها.
خلال رحلة المملكة منذ تأسيسها مروراً بكل قياداتها ورجالاتها الذين أسهموا ويسهموا الآن في بناء مجدها وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، كانت هناك أصوات نشاز مغرضة ومحرضة عليها وتحسدها على ما أنعمها الله من أمن ورخاء واستقرار، وتسعى بكل ما لديها من جهد وخصوصاً عبر إعلام كاذب ومُسيس أمتهن نشر الأكاذيب وبأنها تتخلي عن قيمها الدينية وثقافاتها الإسلامية وعن نصرتها للحق العربي في فلسطين وحقوق المسلمين أينما وجدوا، ولم تلتفت المملكة في الماضي لهذه الأكاذيب والتُرهات ولن تلتفت لها حاضراً أو مستقبلا، لأن الأمر وببساطة هو أن الرحلة تسير في ظل قيادة بتجربة راسخة وممتدة وفريدة في الحكم وشؤونه، وبربان شاب ماهر مُلهم يتولى قيادة رحلة المملكة نحو المستقبل بتجديدها لتنافس في عالم لا مكان فيه لمن يتخلف عن الركب، ووطن يفخر كل أبنائه وبناته بالانتماء له، ويقدمون الغالي والنفيس لعزته، ويقفون صفاً وحداً خلف قيادتهم لتحقيق تنمية وطنهم ورخائه وغير مُلتفتين لكيد الكائدين وحقد الحاسدين.