زكية إبراهيم الحجي
التغيير سمة تطبع الأنظمة الدولية على مدار الزمن..فلا تكاد تمر حقبة زمنية إلا وتنشأ أنظمة دولية أخرى تختلف تماماً عن سابقتها فهناك نظام يضعف وآخر يسقط .. وهناك نظام يهيمن وآخر يستعيد عافيته وينهض من تحت ركام الرماد.. وهذا هو حال الأنظمة على مر العصور بالعودة إلى الوراء فليلاً وتحديداً في القرن الماضي وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي..مرت العلاقة بين أعظم قوتين في العالم أمريكا وروسيا بتقلبات مستمرة ومراحل عسيرة فمن صراع وتنافس عسكري واقتصادي وفضائي إلى وفاق وتعاون في بعض الأحيان ضد أي دولة تدخل في المنافسة وأحياناً أخرى إلى حرب باردة حيث كل دولة تسعى للسيطرة والهيمنة على العالم حتى أوشك تنافسهما على أن يقود إلى مواجهة مباشرة إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه وسقوط المعسكر الشرقي أدى إلى نتائج معاكسة صبت في مصلحة أمريكا لتستفرد بعدها بالهيمنة وتعطي نفسها أحقية قيادة العالم.. أما روسيا فتحولت بشكل تلقائي إلى وريث حيث ورثت فتات القوة والعبء الاقتصادي الثقيل نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي.
بقيت روسيا تلملم أشتاتها وتبني قوتها اقتصادياً وعسكرياً بعد الضعف الذي أصابها نتيجة انهيار وتفكك الاتحاد وسقوط معسكر الشرق بينما ظلت أمريكا قوة مهيمنة متفردة لا تنازعها أي قوة أخرى على سيادة العالم.. تلعب دورها وفق مصالحها الداخلية والخارجية وتحقق طموحاتها غير عابئة بمصالح الدول الأخرى.. وخلال هذه الفترة بدأت روسيا تستعيد عافيتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.. وبعد الأفول ثم النهوض التدريجي وخلال هذه الفترة كانت هناك رسائل مغازلة متبادلة بين الدولتين فحواها بأنهما قد تجاوزتا مخلفات الحرب الباردة إلا أن ذلك لم يدم طويلاً فرياح التوتر تعاود هبوبها بين الفينة والأخرى.. وباستعادة روسيا قوتها برز نجمها وأعادت فرض نفسها قوة كبرى في العالم.. وببروز روسيا اندحرت أيديولوجيا كانت سبباً مباشراً في صراع مستمر لعقود وحلت محلها الجغرافيا السياسية لتصبح موازين القوى الدولية العنوان الأبرز للتنافس والصراع الثنائي وتبقى منطقة الشرق الأوسط تحديداً فوق صفيح ساخن نتيجة تنافس وصراع يُلقي بظلاله القاتمة على شعوب ذاقت الألم وعانت التهجير والتشريد.. الجوع والفقر.. اليتم والترمل..شعوب تنزف دماً وتبكي ترحماً على جثث موتاها..ولعل المشهد السوري والمأساة الإنسانية المروعة التي تعيشها واحدة من المشاهد التي تعكس صورة صراع الجغرافيا السياسية بين روسيا وحلفائها وأمريكا وحلفائها.
ثمة نقطة لابد من الاشارة إليها وهي أن روسيا تسعى لاستغلال التردد الأمريكي الذي لاح مؤخراً تجاه الأزمة السورية وهدفها من ذلك سحب البساط من تحت أقدام الطاووس الأمريكي ليستقر المقام للدب الروسي إلا أن العُرف يقول «إن الكبرياء والحماقة لا يجتمعان.. فإذا كانت الحماقة أعيت من يداويها فالكبرياء هي حصة الحمقى».