د. أحمد الفراج
استفزني قبل أيام فيديو على موقع اليوتوب للدكتور خالص جلبي، وهو طبيب ومثقف من سوريا الشقيقة، وكان الفيديو عبارة عن مقطع من محاضرة، ألقاها في دولة المغرب الشقيقة، التي يقيم فيها حالياً، وقد أغدق بالثناء على المغرب وأهلها، وهم يستحقون ذلك بكل تأكيد. هذا، ولكنه، وهو المثقف الذي عاش في المملكة ردحاً من الزمن، قال عن شعب المملكة نصاً: «إنني نادم أنني قضيت فترة من حياتي بين قوم ليس عندهم إلا فائض من المال!»، وغني عن القول إن الدكتور جلبي عاش معززاً مكرماً في عدة مدن سعودية، وحسب معلوماتي المؤكدة أنه كان محل تقدير من أهل المملكة، بل إن بعض مثقفينا تبنَّوه، فكان ضيفاً على الديوانيات، وكتب في عدة صحف سعودية مرموقة، ولئن كان قد لاقى بعض العنت من بعض المتشددين عندنا، فإن هذا ليس مبرراً له ليسئ لشعب كامل، وهو يعلم أننا نحن عانينا، وما زلنا نعاني من تسلط المتشددين وإقصائيتهم!.
كان جديراً بمثقف محترم، مثل الدكتور خالص، أن يكون حذراً من لغة التعميم، التي تسئ حتى لمن احتضنوه وسعدوا برفقته، إبان إقامته في المملكة، فهناك فرق شاسع، بين النقد الهادف البناء، وبين الإساءة، خصوصاً إذا صدرت ممن يحمل فكراً راقياً، ويقوم بمهنة نبيلة مثل الطب، وما فعله جلبي ليس بدعاً، فلنا تحربة مريرة، مع من أقام بيننا من بعض إخوتنا العرب، ثم قلبوا لنا ظهر المجن، بعد أن نعموا بالثراء والمعاملة الحسنة، وأذكر بهذا الخصوص أن كاتباً عربياً استفزنا ذات يوم، عندما كتب مقالاً عن المميزات التي يحظى بها في بلدنا، ولا يمكن أن يحظى بها أي كاتب سعودي، رغم أنه كان دوماً مراوغاً، يمسك العصا من المنتصف، بل ويداهن خصوم المملكة، ويتقرب إليهم، وسأتجاوز حكاية «حامدي» المستقلة، لأذكّركم بكاتب ردئ من إحدى الدول العربية، تناوبت بعض صحفنا على استكتابه، والدفع له بما لم يحلم به يوماً، ليخبرنا عن طبخات زوجته، وإبداعها بصنع الفول، وقصص ابنه في المهجر!.
التعميم لا يليق بمنصف، وهناك البعض من اخوتنا العرب، ممن حفظوا المعروف، رغم مغادرتهم لديارنا، ولكن إحسان الظن المطلق لم يعد مجدياً، بعد الطعنات التي لاقيناها ممن تعاملنا معهم كأشقاء، والأمثلة أكثر من أن تحصى، وخالص جلبي واحد من هؤلاء، والمؤلم هو أن معظم من يعيش على أرض المملكة، سواءا من الغرب (أمريكا أو أوروبا)، أو من الشرق (اليابان وباكستان)، يظل وفياً لهذه الأرض، وما زلت أذكر لقاءاتي، في أمريكا، ببعض الأمريكيين، الذين عملوا في شركة أرامكو أو غيرها هنا، وكذلك حديثي مع بعض اليابانيين والباكستانيين، عندما كنت في زيارات هناك، وكيف أن بعضهم جند نفسه سفيراً للمملكة، من باب الوفاء ورد الجميل، ثم تأتي الطعنات والإساءات من بعض أشقائنا العرب، وليقيني بأن هؤلاء البعض من العرب، الناكرين للجميل، لن يتغيروا، فإن علينا أن نتغير، فقد سئمنا من الطيبة الزائدة وإحسان الظن، فالطيب في غير موقعه سذاجة، وسئ الطباع يفسر ذلك على أنه بلاهة وغباء، فهل نتعلم؟!.