د. محمد بن إبراهيم الملحم
المدارس الثانوية المتخصصة والقائمة على أساس القبول المشروط بالكفاءة المهارية تضم غالبا الطلاب الجادين في الدراسة والراغبين في التعلم، ولا شك أن توفر التخصص فيها بكل موارده وخبراته يذكي شغف الطالب ويلبيه في نفس الوقت، وهو مبدأ يتناسب بقوة ويتناغم بفعالية مع طبيعة الحياة العلمية في وقتنا المعاصر لما في التخصص من قيمة كبرى في تحقيق أهداف المتعلم بيسر وسرعة، وهو المطلوب في زمن التنافس وسرعة الاكتشاف والنمو العلمي والتقني الهائل، وأعتقد جازما أن أي نظام تعليمي يركز على هذا الأسلوب في بناء مناهجه وتصميم مدارسه سيحقق أهداف الاقتصاد الوطني التنموية بسرعة، ومع أنه نظام مكلف شيئا ما لكنه يستحق البذل لعوائده الاستثمارية العظيمة حسب نظرية رأس المال البشري، وفي حالات الدول المترددة في الإنفاق فيكفي أن تتيح هذا النظام للقطاع الخاص في التعليم الأهلي وسوف يثمر وينتج ثم يشجع القطاع الحكومي بعد ذلك على تبنيه، ويصلح للاستشهاد هنا مثالان الأول هو البرامج الدولية كمثال مقارب (وليس مطابق) حيث يحقق طلابها نتائج نوعية عالية، لا لأنها متخصصة في موضوع معين ولكن لتفردها عن المنهج العام مع جدية نظامها العالمي أصلا وبالتالي فإن مفهوم الالتحاق بها كمدرسة مختلفة عن السياق العام يفرض لونا من التحدي يُـقبِـل عليه الطالب (وأسرته) بكل نشاط وحيوية ليحقق فيه الإنجاز، مدارس تحفيظ القرآن مثال آخر هنا وهو مباشر أكثر وقد لوحظ تفوق طلاب هذه المدارس من خلال مؤشرات متعددة مشهورة، وتصنف المدارس الثانوية المهنية في بعض الأدبيات كمدارس متخصصة، وأقول شخصيا إن هذا مقبول إذا كانت تقع تحت نظام وإشراف وزارة التربية نفسها أما إن كانت مصنفة تحت مؤسسة أخرى متخصصة في التعليم الفني والمهني كما هو لدينا وفي عدد من الدول الغربية والشرقية فإنها لا تصنف كمدرسة ثانوية متخصصة هنا بل تبقى في تصنيفها كتعليم مواز Territory Education .
للتعليم المتخصص حسنات كثيرة للعملية التعليمية ذاتها وللاقتصاد والتنمية الاقتصادية، فبالنسبة للعملية التعليمية فإنها تخفض كم المناهج الضاغطة مما يقلل من التوتر الدراسي كما يسهم التركيز على التخصص في فهم أعمق لدى الطالب ويسهم إثراء الطالب فيه في تهيئته بقوة للدراسة الجامعية مما يساعد على نجاحه المبكر فيها ويبعث حماسة الطالب وانتماؤه للمجال العلمي، أما بالنسبة للاقتصاد فإن سنوات الدراسة يمكن أن تختصر من خلال المدرسة المتخصصة فما يدرسه في ست سنوات من المدرسة العادية (متوسط وثانوي) يمكن أن يدرسه الطالب في أربع سنوات بالمدرسة المتخصصة، وأستطيع أن أصفه بأنه تسريع غير اختياري للتعليم أي أنه تسريع للجميع، فكل الطلاب في المدرسة المتخصصة من ذوي القدرات العالية مما يمكنهم من التأقلم مع ذلك.
أحد مؤشرات اقتصاديات التعليم المهمة هو «نسبة التسرب» أي تسرب الطلاب من التعليم قبل التخرج (من الثانوية أو الجامعة) إلى بيئة العمل فكلما قلت نسبة التسرب كان ذلك نجاحا لسياسة الإنفاق على التعليم، وهذا المؤشر يتوقع انخفاضه وربما انعدامه في حالة المدرسة المتخصصة فطالب هذا النوع من المدارس إن لم ينته به الحال في التخصصات العلمية المهمة في الجامعة (طب أو هندسة أو تكنولوحيا) فسوف يكون في تخصصات الكليات التقنية المهمة مثل التحكم والإلكترونيات وجميعها تمثل مكاسب كبيرة للاقتصاد الوطني مما يجعل العائد من الاستثمار في تدريب الطالب كبيرا وإيجابيا على الدوام.