د. حمزة السالم
أهمية التطرق لقياس الشبه نابع من كون قياس الشبه الفاسد أصبح هو الغالب على كثير من فتاوى الفقهاء المتأخرين وخاصة في باب المعاملات المالية، التي حرمت عقلا بلا دليل في الغالب، أو بقياس شبه فاسد فيما يستند لدليل. كقياس ودائع البنوك على الوديعة الشرعية. وكالقواعد الباطلة المشتهرة اليوم، مثل «أن كل عملية يُضمن فيها الربح فهي عملية ربوية بسبب ضمان الربح».
وهذا غير صحيح، عقلا ولا نصا، وأُعمل على خلافه إجماعا. فليس هناك من نص على ذلك، كما أنه ليس هناك من دليل عقلي ولا حكمة. والعمل عند المسلمين على خلاف ذلك، فبيع الأجل وبيع التقسيط مضمون الربح عن بيع الحاضر. فبيوع الآجال إن زادت فيها قيمة الأصل، أصبحت بيعتين في بيعة. بيعة للسلعة الحاضرة بسعرها الحاضر، وبيعة تمويلية لثمنها. والمسلمون أجازوا ذلك وتعاملوا بينهم، ثم يضعون قواعد تخالفه، يرددها الناس بلا تمعن وفهم.
وكل قياس فاسد هو في الواقع عند التأمل ينحصر في أمرين:
الأول: إما قياس شبه صوري. وذلك بوجود شبه بين الأصل والفرع في الصورة. ومن الأمثلة على قياس الشبه الصوري الفاسد، قياس الحمار الوحشي على الحمار الأهلي. وكالتضحية بالوعل لاشتباهه بالماعز، استدلالا فاسدا بآية الصيد. وأعتقد -والله أعلم- وكقياس الخنزير البري على الخنزير الأهلي أو الوحشي.
والثاني: أن يكون قياس شبه بشبه في صفة من صفات الأصل، كالشاحنات تقاس على الإبل لاشتراكهما في نقل المتاع! وكقياس النقد على الذهب والفضة بالثمينة المطلقة، فكل هذا قياس فاسد.
وصحة قياس الشبه أو فساده هو في الواقع عند التأمل، هو خلاف حول صحة استنباط العلة القياسية. وما عدا ذلك، فالخلاف في قياس الشبه، خلاف لفظي. فكل من أجاز قياس الشبه من الأئمة الأصوليين، فإنما هو في الواقع أجاز قياس العلة القياسية الصحيحة لتشابه الصفات التي قد تؤثر في الحكم، ثم اعتبر هذا النوع من قياس الشبه فأجازه.
فاستنباط العلة القياسية التي اتفق على جواز العمل بها كل من أجاز القياس، لا تكون إلا بشبه في وصف أصيل متفرد في الأصل بوصف في الفرع. فمتى انضبط هذا الشبه انضباط العلة في اضطرادها وشموليتها للأصل والفرع أصبح هذا الشبه علة قياسية. ويجب أن يُنتبه أنه لا يُشترط تطابق الصفات عند القياس، فالإسكار موجود في العنب المخمر، وقد يكون إسكار في شيء غازي أو صلب فلا تشابه بينهما، إلا في الإسكار فيأخذ الغاز والصلب حكم الخمر، لوصف الإسكار، فهذا قياس شبه في الواقع، لكن بشبه في صفة تتفرد عن غيرها بكونها هي مظنة مراد الشارع في الحكم، وانضباط تفردها في الأصل وفي الفرع.
فالمعاملات يُستجد فيها ويُستحدث ما فيه شبه من معاملات منصوص فيها بنص شرعي. وإصدار الأحكام في الأمور المستحدثة لا يكون إلا بالتحريم، لما لم يكن محرما من قبل، فهو تشريع جديد، فهو افتئات على الربوبية. فليتق الإنسان ربه، فلا يُقدم عليه إلا بأداة منضبطة تعزل الأهواء والعادات والتصورات الشخصية عن الحكم فتجرده من كل شيء إلا من مُراد الشارع، ولا يكون هذا إلا بقياس بعلة منضبطة.