د. عبدالرحمن الشلاش
أيّ أب حريص على مصلحة بناته سيكون في غاية السعادة عندما يتقدم له شاب لديه مقومات كافية ليكون شريكاً مناسباً لابنته، لديه القدرة على القيام بالمسؤوليات، ولديه الرغبة في بناء أسرة مترابطة، ولديه الوقت الكافي ليعطي تلك الأسرة جزءاً منه؛ فالمسألة ليست مجرد ارتباط عاطفي وإنما شراكة عمر يتخلله حقوق وواجبات.
ستجد كثيراً من المتقدمين يملكون الحد الأدنى من المقومات، والبعض لديهم مقومات معقولة، وهناك من لا يصلحون، لكن في موضوع الزواج لا تتضح كثير من الأمور، خصوصاً في المجتمعات المحافظة إلا بعد الزواج ربما بفترة طويلة، وقد يكون الزوج في حالة أفضل بكثير مما توقع أهل البنت.
في غالب الأسر السعودية وإلى هذا اليوم، يبقى قرار البنت في زواجها هامشياً خاصة في حالة وجود أب متفرد في القرارات الأسرية إلى الحد الذي يرفض فيه كل المتقدمين لأسباب لا يعلمها إلا هو والنتيجة توقف حال الفتاة لتصل إلى مرحلة لا يتقدم لها فيها أحد، وهذا يفسر توسع دائرة العنوسة ووصولها لمستوى الظاهرة.
يروي لي أحد الآباء أن ابنه قرر الزواج، يقول بدأنا الإجراءات الطويلة باتصال زوجتي على أم البنت لتحديد موعد للزيارة ومشاهدة البنت على الطبيعة، وبعد الزيارة طلبت الزوجة البنت فطالبتها الأم بالتروي والانتظار لبضعة أيام. يضيف: نقلت الأم الرغبة للأب الذي أعلن بدوره حالة الطوارئ القصوى وفتح كل الخطوط للسؤال عن ابني في عمله وفي الحي الذي نسكن فيه حتى صارت سيرتنا على كل لسان وخرج الموضوع من دائرة «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» لدائرة افضحوهم على كل لسان. يقول مرّت أسابيع من التحري والاستقصاء ورغم ثقتي الشديدة بأخلاق ابني ومزاياه التي تتمناها أي بنت إلا أنني طالبت الجميع بالهدوء والانتظار وكأننا دخلنا قضية صعبة الحل رغم أن كل العملية تنحصر في عبارتين «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه» و»زوجوهن وأعينوا عليهن»، معايير واضحة لا تحتاج لكل هذا الاستنفار غير المسبوق، ومضى يروي التفاصيل يقول أخيراً اتصلت الأم لتحدد موعد زيارتي وابني لمقابلة الأب، وكنت أظن أنها زيارة خطبة وتحديد مواعيد لإنهاء الموضوع لكني فوجئت بالأب حال دخولنا لمنزله يواجهنا بعاصفة كثيفة من الأسئلة لي ولابني فما أن يفرغ من الابن إلا ويتوجه لي ثم يعود للابن وإذا تداخلت في الموضوع يطالبني بالصمت وعدم تغشيش الابن الذي ضاق ذرعاً بما يحدث.
كنا نظن أنه سيتوقف عند هذه الحدود إلا أنه طالب بمزيد من الأرقام ليتأكد بشكل أدق. القصة طويلة انتهت بعدولنا عن الموضوع. كم من أب بمثل هذه العقلية، وماذا يريد كل أب من المتقدم أكثر من أن يكون كفؤا لحياة زوجية سعيدة، وأن يكون قادراً على الوفاء بما عليه من حقوق!