د. فوزية البكر
تتأمل في البيوت وترى في الأعراس النسب الكبيرة للفتيات المزهرات الخريجات الجميلات المطليات بكل أنواع الزينة في انتظار أن تتكرم عليهن أمهات الشباب بنظرات مركزة قد تؤدي إلى خطوبة محتملة، ولك أن تتفكر فيمن حولك من عائلة وأصدقاء وأقارب وجيران لتعرف أن البيوت (متروسة) فعلاً في انتظار النصيب الذي بدأ يتأخر على البعض كثيراً جداً.
نحن فعلاً مجتمع في عنق زجاجة شئنا أم أبينا، نذبح أنفسنا حتى يرزقنا الله من نعمته بالبنين والبنات ونصرف الغالي والنفيس لأجل تربيتهم وتعليمهم وتسفيرهم ثم نصل مع الفتاة إلى النقطة التي نتمنى منها أن تحتلها وهي كرسي الزواج فلا نجد سلماً اجتماعياً مناسباً يساعدها على التسلق للوصول إلى الكرسي المنتظر!
فالفتاة أولاً وقبل كل شيء معزولة: نحن في مجتمع منفصل لا يحقق للرجل أو البنت فرصة التعارف والتقارب كما لا توجد وسائط اجتماعية مناسبة لتحقيق اللقاء، ولذا تصبح الأعراس النسائية هي الوسط الأكثر شهرة لاقتناص عريس لكن ليس بواسطته مباشرة بل من خلال عيون أمه وأخواته. هل لكم أن تتصوروا أن أهم عقد في حياة الإنسان وهو عقد الزواج الأبدي يتم من خلال وسطاء وليس بشكل مباشر؟
أمر مذهل!! هنا السنوات تمر الآن.
وافترض أن إحداهن حظيت بالانتباه المطلوب من أم أو أخت عريس منتظر فنأتي إلى العقبة الكأداء وهي تجاوز الحلقة الثانية المعقدة في مؤسسة الزواج وهي (وش أصلها) (وش أصله): قبيلي، خضيري، نجدي، حجازي... الخ الخ من التشابكات القبلية التي ما أنزل الله بها من سلطان ولا يملك المجتمع الذي يقاتل للحفاظ عليها أي أسباب ذات علاقة بعصرنا الحاضر تبررها.. وهكذا تتضاءل فرص الفتاة في الحصول على العريس المنشود حتى النصف أو أكثر لمراعاة هذه التشتبكات المعقدة من قبلية منقرضة.
الآن وبعد سنوات مرت من عمر الزهور ربما يولد الحظ في مناسبة ما وتجد الفتاة من يناسبها اجتماعياً وقبلياً وتبدأ رحلة المفاوضات وحساب التكاليف والمناسبات والرسميات التي تجاوزت كل حدود المعقول ما بين دبل للخطبة وهديا للملكة وولائم ثم الساعة والطقم والبيت والأثاث وشهر العسل ثم حفلة الزواج بما تتضمنه من تفاصيل مرعبة وقتياً ومالياً بدءا بصواني الشيكولاتة التي قد تتجاوز عشرات الآلاف مروراً بفستان العروس وأمها وأخواتها ثم ترتيبات الحفل الكبير من نوع الكرت وشهرة المغني أو المغنية إلى القاعة ثم الإضاءة والصوت و.. و..و: تفاصيل مرعبة لا أظن رجلاً يستطيع الدخول فيها وحتى يصل العروسان إلى منزلهما بعد شهر العسل يكونان قد صرفا مخزون ثلاث سنوات أو أكثر من عملهما كما تحمل الأهل في الجانبين تكاليف مخيفة وليت أن الآمر يقف عند ذك: إذ لاحظ أن هذه الفتاة تمت رؤيتها والاتفاق عليها عبر وسطاء وليس عبر العريس نفسه الذي يجد عروسته أخيراً بين يديه في شهر العسل! ولك أن تتخيل سيل المجاملات والغرائب والتعود على الطباع الشخصية والجنسية الخ من تفاصيل العلاقات الإنسانية التي تحتاج في بنائها إلى سنوات وهذا ما يجعل نسبة الطلاق مرتفعة في مجتمعنا بعد الزواج مباشرة لارتفاع توقعات الطرفين اللذين يدخلان المؤسسة مجردين من أهم عوامل نجاحها، وهي المعرفة الأكيدة والمحبة والاطمئنان. (رغم النظرة الأولى ورغم المكالمات الهاتفية لكن الحياة اليومية والعشرة شيء آخر تماماً).
لا بد للمجتمع من إيجاد قنوات أكثر عملية للتعارف الشريف بين البنات والأولاد في مجتمعنا عبر قنوات أهلية أو رسمية أو خيرية تعرف الشباب بالشابات، كما يحصل في بلدان عديدة عن طريق المؤسسات التي تبحث لك عن رفيق أو رفيقة مناسبة يعني (نظام خطابة حديث عبر الوسائط الاجتماعية) ويضع فيه الرجال والنساء بياناتهن للمزج والتعريف ببعضهم البعض.
أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أنه يمكن اعتبار سن العنوسة في المملكة في الوقت الحاضر هو تجاوز سن 32 للفتاة، وبهذا المعيار فإن نسبة العنوسة في المملكة وصلت إلى 10.07 في المائة أي أن بين كل 10 إناث بلغن 15 من العمر فأكثر توجد فتاة يمكن أن نقول إنها بلغت سن العنوسة، وتبعاً لهذا التصنيف فهناك 227.806 ألف أنثى سعودية تجاوزت عمر 32 سنة ولم تتزوج بناءً على المسح الديموغرافي الذي غطى مناطق المملكة كافة وأجري في النصف الثالث من عام 1437هـ.
المهم الآن: هل لدينا حلول سريعة لكل هذه الزهرات اللاتي يذبلن تدريجياً في بيوت أهاليهن ولا يملكن التوجه للعريس وخطبته إذا أعجبهن.. فماذا تقترحون؟
هن يصرخن بأعلى أصواتهن: أخرجونا من عنق الزجاجة.