«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
قبل أيام غردت بلوحة «عين أم سبعة» وهي من لوحاتي القديمة التي استنسخت منها مجموعة من النسخ. وبعدها اتصل بي أحدهم طالباً نسخة من اللوحة، لأنها تذكره بأحد المواقف التي حدثت له وهو فتى. فوعدته خيراً على أن يكون ذلك بعد يوم. لكن طلبت منه مشكوراً لوحدثني عن الموقف الذي جعل اللوحة تذكره به فقال: عندما نلتقي غداً أحكي لك الموقف الذي حدث وارتبط بهذه العين الشهيرة. ومساء أمس جاء لمزرعتي ليتسلم اللوحة. وليشاهد في ذات الوقت لوحات معرضي الدائم.. وبعد جولة قصيرة داخل المعرض توقف طويلاً أمام أكثر من لوحة وخاصة لوحات « عين أم سبعة « وجلسنا بعدها نشرب «القهوة» وراح يروي لي الموقف أو الحكاية. قال: عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري رافقت أسرتي إلى «عين أم سبعة» كانت أيامها تعتبر من أشهر المنتجعات الطبيعية والتي تضم استراحات يجري من تحتها أحد أنهرها السبعة.. فكانت كل استراحة بها رواق أمامه ساحة لا تقل مساحتها عن 6×10 أمتار وشرق هذه الساحة تقع غرفة الاستحمام والغسيل، حيث ينساب ماء النهر الصافي القادم بقوة من العين. وعلى ضفتي النهر تقع أربعة دكك في كل جانب تستخدم لغسيل الملابس وحتى للاسترخاء بعد الاستحمام. وفي الرواق جلسة تعد مسبقاً من قبل كل أسرة تستأجر الاستراحة منذ الفجر حتى مابعد صلاة العشاء وبمبلغ بسيط. وهناك من يحجزها لعدة أيام خاصة آخر الأسبوع. وغالباً الذين لديهم مناسبة زواج أو قادمون من خارج المنطقة. والاستحمام داخل الاستراحة خاص بالنساء والفتيات ويسمح فقط للأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم السابعة. هذا عرف وتقليد متبع بصورة دقيقة.. وبحكم أني فتى، فبتالي لم يسمح لي بالسباحة في الاستراحة لذلك اضطررت للذهاب إلى «العين» الرئيسة والتي لا تبعد كثيراً عن استراحتنا المستأجرة. وعندما كنت في طريقي وكان اليوم ممطراً. والطريق إلى العين مبتلاً وبعض أجزائه موحل وحتى صعب السير فيه. عندها شاهدت قائد عربة «قاري» يحاول السير بعربته التي يسحبها حمار ورغم أنه ضخم لكن محاولاته المتكررة أخفقت. رغم أنه حاول أكثر من مرة لكز «الحمار» بعصاه. فلم أتردد أن سارعت بعدما رفعت ثوبي المبلل بماء المطر واندفعت خلف العربة بعدما وضعت حذائي داخلها ورحت أدفع بكلتا يدي وبكل قوتي حتى استطاع الحمار أن يتخلص من «المطينة» أو تقدر تقول التغريزة الطينية. وهنا التفت راع القاري «الحمار» وهو يشير لي بعصاه. كفو والله كفو. صعب خروالقاري من الطين. بحمار واحد. وتملكتني الدهشة وحتى الغضب أجل أنا حمار.. أعزك الله. لكن ماذا تقول عن أمثاله. لقد لصق مسمى. «الحمار».. به ممن يمتهنون هذه المهنة إلى الأبد ففي المملكة والخليج يقال عن كل من يعمل في هذه المهنة وهي بالطبع مهنة شريفة هذا الاسم أو اللقب كما يقال.. وراح الرجل يواصل حكايته.. نسيت أقول: إنني ومن هول ما سمعته. نسيت أن آخذ «كندرتي» فلقد انطلقت العربة بسرعة قاذفة الطين على وجهي وثوبي «اللاس» لكن بفضل الله العين بجواري فلقد قمت بغسيل ثوبي وطاقيتي. لكنها لم تجف إلا بعدما عدت إلى الاستراحة وحول موقد الجمر؛ نشرت ثوبي.. أليست حكاية غريبة وطريفة ولا تنسى..؟!.