د. عبدالرحمن بن حمد السعيد
تتقدم إلى مجلس عائلة المالك المكتظ بالخبرات والكفاءات فتتعلق عيناك بواسطة العقد في هذا الجمع الكريم.. ابتسامته لا تغادر محياه.. يجمع بين هيبة الكبار وتواضع ولطف الشباب.. فإذا حالفك الحظ وتحدثت إليه طويلاً - كما كان من نصيبي - فأنت إذن أمام قامة وطنية رفيعة.. إلمام دقيق بتاريخ هذا الوطن.. وولاء ومحبة لأرضه وأهله وقيادته.. وقبل هذا كله تعلق بالله، لا يزايد ولا يمالئ.. يبعث في النفس الثقة والطمأنينة.. شدَّني إليه شغف بالتاريخ شخوصًا وأحداثًا وحقائق.. إنه الشغف بإنعاش الذاكرة الجماعية فيما يخص الأحداث والرجال الذين أثروا في هذا الكيان العظيم ومسيرته الموفقة - بإذن الله -.
يحدثك الرجل طويلاً عن الملك عبدالعزيز.. خصاله الحميدة، وحكمته وحلمه.. فلا تمل الاستماع.. بل تطلب المزيد.. ويحدثك عن أصحاب الفضل الآخرين ممن عرف أو عاصر حديث مَن تقصى الحقائق، واستقاها من مصادرها الأصيلة.. إنه ينبوع دافق من التاريخ والذكريات والعبرة..
تسأله عن والده الجليل - رحمه الله - حمد بن منصور المالك المتميز في كرمه وخلقه ومكانته.. فتسمع ما يجعلك تتمنى لو أن بإمكانك العودة لذلك الزمن الجميل..
أتذكر أنني سألته مرة عن واقعة سمعتُ طرفًا منها من أحد الأصدقاء، وهي تخص رغبة المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز في أن يستضيف الشيخ حمد المالك - رحمه الله - والكاتب والمؤرخ أمين الريحاني في منزله.. أراد الملك عبدالعزيز أن يُطلع الريحاني على حقيقة هذه البلاد وأهلها.. عاداتهم، تقاليدهم، أسلوب عيشهم، وبيئتهم؛ فوقع اختياره على بيت حمد المالك المعروف بكرمه، وفتح بابه لكل من زار الرس.. قرأتُ الكثير مما كتب الريحاني فلمستُ حبه لهذه البلاد من خلال علاقته الفريدة والمتميزة بمؤسس هذا الكيان.. قَبِل الرجل القادم من أمريكا نصيحة ورغبة الملك الذي يقدره.
نعرف جميعًا لماذا وقع الرجل أسيرًا لشخصية عبدالعزيز المهيبة.. فهذا ليس بغريب؛ فقد شاركه هذا الحب والتقدير مثقفون ومؤرخون وسياسيون من كل حدب وصوب.. لكن عبدالعزيز كان ابن هذه البلاد الوفي والبار.. وعبّر في كل ما فعل وقال عن حقيقة هذا الشعب.
يقول فقيدنا المغفور له - بإذن الله - الشيخ منصور المالك إن الملك عبدالعزيز أحب إطلاع أمين الريحاني على حياة المواطنين في مدنهم وقراهم.. أحب أن يراهم كما هم في واقع الأمر بعيدًا عن أثر وتأثير الحكم ورجاله ومؤسساته.. فبعثه إلى دار الشيخ حمد المالك والد الشيخ منصور - رحمهما الله -. أكرم الشيخ حمد وفادة الريحاني، واحتفى به، وعرَّفه بالناس، وتركهم يحدثون على سجيتهم بدون رقيب أو حسيب.. وأتذكر هنا طرفة رواها الشيخ منصور - رحمه الله - تتعلق بالطعام الذي كان يقدَّم للريحاني. فرغم شظف العيش وندرة المواد الغذائية فقد كان الشيخ حمد يقدم لضيفه وجبة تتكون من الرز واللحم أو الرز والدجاج. وغني عن القول أن عِلية القوم فقط هم من كان هذا طعامهم. لاحظ الشيخ حمد أن ضيفه قليل الأكل غير مقبل على هذا الطعام؛ ففكر في تغيير ما يقدَّم للضيف؛ وطلب من زوجته الفاضلة استبدال هذا الطعام بالمرقوق والقرصان والجريش، وغيرها من الأكلات الشعبية. انفتحت شهية الضيف؛ وأقبل على الطعام. وعند انتهاء العشاء قال لمضيفه: أشكركم يا شيخ حمد على ما تقدمونه لي من طعام محلي لذيذ.. إنه أحب إلي من الرز والدجاج الذي يوجد بكثرة في أمريكا. هذا الطعام يعبّر بشكل ممتاز عن حياتكم وعن بلادكم وما يتوافر فيها من خبرات.. إنه يعبّر عنكم، وهذا ما جئت لأشاهده وأتعلمه.
يقول شقيقي الأكبر سليمان الحمد السعيد إنه عندما زار بيت الشيخ حمد - رحمه الهد - برفقة معالي الشيخ محمد أبا الخيل (حين كان زيرًا للمالية) وجد بيت الشيخ حمد مضافة راقية، يجد فيها الضيف حفاوة وكرمًا لا نظير لهما. والحديث نفسه سمعته من الأخ مطلق المطلق الذي يقول إن مضافة حمد المالك تضاهي بما فيها من ذوق وعناية أرقى بيوت الضيافة العالمية.
من بيت الكرم هذا خرج فقيدنا الغالي منصور المالك - رحمه الله - ومنه تعلم كل فرد في عائلة المالك الكريمة حب الآخرين، والاحتفاء بهم. لقد غادر عالمنا الفاني معلمًا وقدوة وإنسانًا، ندر مثيله..
أعلم أنني عندما أعود لمجلس المالك المحبب إلى قلبي فإن عينَيّ ستبحثان عن واسطة العقد في هذا الجمع.. الشيخ الوقور منصور بن حمد المالك - رحمه الله وجزاه خيرًا عما قدم لهذا الوطن في مسيرته العملية الرائعة -.
وأتقدم بصادق العزاء لشيخنا الحبيب أخيه ورفيق دربه محمد الحمد المالك، ولجميع أفراد هذه العائلة الكريمة.
وإذا جاز لي فإن للأستاذ خالد بن حمد المالك والدكتور أحمد المالك دينًا من المحبة والأُخوَّة والوفاء، لن أنساه أبدًا. وللسيدة الكريمة والمؤمنة الصابرة أم عبدالله ولعبدالله وإخوانه وأخواته أتقدم بصادق العزاء.
{إنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}.