عبده الأسمري
يجهل الكثير منا مكونات النفس الإنسانية وأسرارها التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيها، ووجه جل شأنه التدبر فيها في الآية القرآنية العظيمة {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.
هذه النفس التي تحمل مكونات دقيقة وتكوينات تتجاوز قدرة العقل الإنساني ولا يزال علماء النفس يدرسونها ويرصدون العديد من الاكتشافات المذهلة التي تتجاوز ما يحمله الجسد من أجهزة عضوية واكتشافات متطورة لمواجهة هجمات الأمراض ومعارك المؤثرات.. ووفق الأصول العلمية والأسس البيولوجية فإن النفس تتأثر بالأم الجسد والعكس كذلك، لذا كانت هنالك أمراض النفس الجسمانية وغيرها، إضافة لعشرات الأمراض العضوية بأسباب نفسية وأيضا نشوء ارتباط العديد من الأمراض النفسية بتاثيرات عضوية.. ولن تتوقف البحوث في هذا الجانب ما دام هنالك عقول تتدبر وأفئدة تتبصر.
يصرف الأطباء مئات الوصفات الطبية لتدعيم جهاز المناعة الجسدية بخلاف الغذاء والفيتامينات والحمية والرياضة والبعد عن العادات السيئة لمواجهة التأثيرات المختلفة وويلات المرض وتشكيل خط دفاع أول لردع ما يتربص بالجسد والصحة ولكن الجهل يظل في تجاهل وتغافل تحصين المساحات النفسية وهي الأكثر تعرضاً لهجمات الظروف وشراسة المواقف وسوءات المحن. ولو رصدنا بشكل عابر لوجدنا أن الأمراض النفسية تحتل الواقع وتستحل المجتمع رغماً عن «الاعتزاز بالصحة» وعن «التواري خلف الخجل الاجتماعي».. الأسر تعاني والمدارس مكتظة بالمرض ومواقع العمل ممتلئة وحتى البشر لو فتشنا جيدا عن سلوكياتهم وعن أخطائهم وعن تعنتهم وغرورهم وكل الأمور التي ترجح كفة «الشك» أو معيار «الاستغراب» لوجدنا أن خلفها إما عقد نفسية تنمو لإنتاج المرض أو أمراض نفسية مزمنة أو اعتلالات سلوكية حاضرة.
يتعنت الإنسان أحيانا أمام المؤثرات الصغيرة ويخضعها للبحث والتحليل والمكابدة وهو لا يعلم أن ذلك سيحولها مع الوقت لتكون هرماً من السوء سيحاصر ذاته ويهاجم نفسيته ويربك روحه فيما لو وضع «التجاهل والتغافل» دفاعاً أول لفرت تلك المؤثرات وغادرت جهازه النفسي فيما تظل إقامتها خطة احتلال قادم يجب أن يعيه وان يقوى حصانته النفسية لطردها كي تستريح النفس لتدافع عن الأمور الجسام بعيداً عن الصغائر التي لا تعدو سوى تأثيرات تجريبية تستدعي المقاومة الأولية لهزيمتها.
المناعة النفسية خط دفاع أول أمام المرض النفسي والاعتلال السلوكي وهي منطلق ذاتي، فالنفس جبارة متى ما استعدت وأعدت ما استطاعت من رباطة الجأش وصلابة المواجهة وهي ذاتها المنهارة إذا تخاذلت في صد الظروف وارتمت في بؤر «الإحباط» وتقاعست في وقف المؤثرات وسقطت في قعر «الاستسلام».
تمتلك النفس قوى خفية عظيمة تحتاج فقط البحث عنها فلكل إنسان ملكات ولكل عمر عزائم ولكل مرحلة وقود يجب أن تستثمر لتكون خطوط دفاع متينة قوية تصدر أوامرها للعقل والقلب بإيجاد تكتل لمنع وقوع المرض وقوة للخروج من ويلات «الأحزان» ومنهجية للتعافي من سوءات «الآلام».
في القرآن الكريم عبر واعتبار وقدرة واقتدار ونصر وانتصار من خلال وقائع وحقائق حدثت وأعدت منهجاً للمناعة النفسية التي تواجه الظروف وتستعلي بالحق وتنادي بالمنطق وتنتصر بالصبر وتقوى بالتوكل.
الصبر والحلم والتغافل والرضا والقناعة وسلامة القلب والتسامح وحسن الخلق وإشاعة المعروف وحسن الظن بالله مضادات نفسية عجيبة مهيبة يجب أن تكون حرساً في ميدان معارك النفس مع مؤثرات وظروف وتغيرات الحياة، ويجب أن تكون منطلقات لصناعة الشخصية «السوية» التي تعلو مناعتها قوة أي تأثير أو هجمة أي مؤثر سواء كان ظرفاً أم بشراً.
ويجب أن يكون هنالك وعي وإدراك وتفاؤل وديناميكية نفسية للتأقلم مع مجريات التغير الحياتي واستعداد وتأهيل ذاتي ونبع روحي لتدعيم المناعة النفسية التي تعد خط الدفاع الأول لمواجهة النوائب والمشاكل والمصائب وكل أمر يرمي الإنسان في دائرة القلق والصراع والألم.