د. محمد عبدالله العوين
كان مجتمعنا السعودي يتطور بصورة طبيعية كشأن أي مجتمع آخر في قارات العالم كلها، فطبيعة التحديث وانتقال أي مجتمع مما ألفه واعتاد عليه ثم تقبله الجديد يستغرق وقتا يطول قليلا أو يقصر؛ فلم تكن أفكار الجديد في كثير من الدول الأوربية مقبولة كل القبول مطلع القرن التاسع عشر الميلادي على سبيل المثال، وهو الشأن نفسه في أمريكا واليابان والصين والهند وغيرها، وما حدث في مجتمعنا من ممانعات محدودة لبعض خطوات التحديث مع بداية تكوين الدولة السعودية الثالثة على يد المغفور له -بإذن الله- الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن أمر طبعي جدا؛ إلا أنه لم يكن مقبولا ولا طبيعيا حين تلبس الرفض برؤية دينية غير سليمة ومطامع سياسية مع جهل وهيمنة للعادة؛ كموقف جماعة «إخوان من طاع الله» وظهر تمردهم السياسي بإعلانهم رفض المستحدثات ورؤيتهم التكفيرية للمختلف عنهم مذهبيا، وهو ما رآه الملك المؤسس خطرا عظيما ينذر بشر مستطير ويدخل الدولة الناشئة في مواجهات حربية لا مسوغ لها مع دول مجاورة، ويؤخر خطوات بناء الدولة الحديثة في التعليم واستخدام المخترعات الحديثة والبحث عن مصادر اقتصادية تعين على تحقيق أحلامه وطموحاته الكبيرة.
وقد انساق خلف دعاوى إخوان من طاع الله غوغاء ورأوا في التلغراف والتلفون شيئا من عمل الشيطان، وأنه «مكر يجب إزالته» وعم الرفض كذلك السيارة والساعة والدراجة، واحتجوا على تنصيب المؤسس نفسه ملكا بدل أن يكون إماما، وعلى إرسال ابنه سعود إلى مصر، وابنه فيصل إلى لندن، وشنوا الغارة على المحمل المصري لكسوة الكعبة المشرفة.
عقد الملك المؤسس «مؤتمر الرياض» لمحاورتهم في 25 رجب 1345هـ واستمر الحوار والنقاش بينهم وبين علماء الدين ثلاثة عشر يوما، وبعد يأس من عدولهم عن جهلهم وعودتهم إلى الحق دارت المعركة الفاصلة في 18 شوال 1347هـ 30 مارس 1929م.
حين يكون رفض الجديد نابعا من عدم فهم لطبيعته أو استيعابا لمضامينه؛ فإن الزمن كفيل بكشف ما غيبته العزلة أو الجهل أو التشبث بالتقاليد مهما كانت غير معقولة أو لا تتفق مع مفهومات الدين الصحيحة؛ لكن حين ينبثق الرفض من الجهل ثم يتخذ موقفا سياسيا رافعا شعارات دينية يكون الأمر شديد التأثير وبالغ الخطورة في إحداث الفرقة والانقسام، ولذلك حسم المؤسس ذلك الانشقاق المتكون من طبقات بعضها فوق بعض؛ جهل وتطرف وهيمنة تقاليد ورغبة في السلب والنهب وفي الزعامة.
وسارت خطوات التحديث في مجتمعنا السعودي بعد ذلك بسلاسة تامة ووفق سنن التطور الطبيعي؛ إذا لم تجرؤ جماعة أو تيار على إعلان الرفض للجديد تحت شعارات سياسية أو دينية؛ وإنما ظهر عدم قبول الجديد؛ كتعليم البنات أو التلفزيون ونحوهما بمظهر القلق والتوجس من الجديد والرغبة في التشبث بالقديم والمعتاد ليس إلا.
بيد أن فتنة الحرم المكي 1400هـ التي قادها جهيمان عادت بعقارب الساعة مع الأسف إلى الخلف. (يتبع)