د.عبدالله بن موسى الطاير
حرب السنوات الثماني بين إيران والعراق بقدر ما حققت شرعية لثورة الخميني فإنها خلفت خوفًا عميقًا من جوار قوي، يضائل فرصها في الهيمنة والتوسع. اتخذت ولاية الفقيه إثر ذلك قرارًا بألا يكون إلى جوارها دولة قوية مهما كلفها الثمن.
باكستان تعرضت لتصدع كبير في نسقها المجتمعي منذ الثورة الخمينية. وبحسب صحيفة الشرق، فـ»على مدى 35 عامًا سعت إيران لتأسيس مراكز ثقافية لها في كل المدن الرئيسية الباكستانية، وأرسلت مندوبين من إيران لإدارة هذه المراكز التي تُعنى بتجنيد الأفراد خدمة لإيران ومصالحها. وتمكنت إيران والشيعة في باكستان من إقامة ثلاثمائة معهد ديني شيعي في مختلف المدن الباكستانية. وفي الفترة بين 2002 و2013 أنشأت إيران 54 جامعة طائفية مذهبية في باكستان». ليس هذا فحسب؛ وإنما دعمت القاعدة وطالبان والجماعات الإرهابية «السنية» والقبلية من أجل إضعاف باكستان، وتحييد خطرها على المشروع الإيراني.
وأسهمت إيران في إسقاط العراق، وأخلصت في تفتيت لحمته الوطنية، وتشجيع احتراب مكوناته، وحوَّلته فيما بعد عام 2006م إلى مفرخة للإرهاب الذي يستهدف دول المنطقة، سواء عن طريق دعم الزرقاوي أو تنظيم الدولة «داعش» من بعده. وارتبط الوجود الإيراني عضويًّا بعائلة الأسد في سوريا؛ وهو ما جعلها حاضنة للمشروع الإيراني في التوسع والهيمنة. وبعد 24 ساعة من استيلاء الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014م صرح علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني، بأن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية». مشيرًا إلى أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة. كما أن حزب الله وأنصار الله والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات تتصل بحبل سري مع الحرس الثوري، ولا تستطيع أن تعيش بدونه، ولطالما اعتبرتها قواعدها المتقدمة في الجسد العربي.
اليوم تبدو إيران أبعد ما يكون عن مراميها؛ فقد اعترضتها عاصفة الحزم، وهي قوة سحقت أحلام طهران في اليمن، تلاها قوة ناعمة أخرى استمالت عقلاء العراق سنة وشيعة إلى عمقهم العربي. كل ذلك تزامن مع تنسيق عالي المستوى، أعاد للعلاقات السعودية الأمريكية وهجها الذي كاد الرئيس أوباما أن يطفئه على مدى ثماني سنوات.
إيران ليست ساذجة سياسيًّا؛ ولذلك فإنها تدرك فداحة الخسارة التي مُنيت بها في أمريكا مع كل يوم من زيارة الأمير محمد بن سلمان الحالية؛ ولذلك فإنها خرجت بتصريحات متناقضة ومرتبكة وخارجة عن حدود اللياقة في الهجوم على الأمير محمد بن سلمان، ووصل بها الغضب حد إرسال سبعة صواريخ على الأراضي السعودية في توقيت أحمق، عزز الموقف الدولي ضدها، وبخاصة أمريكا والمنظمات الدولية.
الأمير محمد بن سلمان قسا بشدة على نظام الملالي بجمعه النخب السعودية والأمريكية التي أظهرت - من جانب - تكامل السياسة السعودية من بندر بن سلطان إلى محمد بن سلمان، ومن جانب آخر اتساق السياسة الأمريكية من جون ماكين ولندزي جراهام إلى بول راين، ومن جورج بوش الأب - ممثلاً في ابنيه جورج وجيب - إلى الرئيس بيل كلينتون، فضلاً عن وضع إيران الحرج في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه. كما أن تشديد الأمير محمد بن سلمان على احتمالية الاضطرار للحرب مع إيران يزيدها هلعًا، ليس لأنها لا تريد الحرب؛ فهي متعطشة لها؛ لتُبقي الداخل الإيراني متماسكًا، ولكن لأنها ترى أن كل ما عملت من أجله، وبددت عليه ثرواتها طيلة أربعين عامًا، هشيم تذروه الرياح بين يدي أمير شاب، اسمه محمد بن سلمان. هذا الشاب أيقظ في وجدان الشباب العربي روح المقاومة، وهو ما توقعت إيران أنه أصبح من قديم الماضي. إيران تدرك معنى وخطر ما يجري من حولها، وبسبب علمها خرجت عن طورها، وتصرفت بحماقة الذي يرى مخططاته تتبعثر في يوم عاصف.