عمر إبراهيم الرشيد
لطالما أبدى مفكرو الغرب ومثقفوه وعقلاؤه احترامهم وإعجابهم بدين الإسلام، وشخصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ومعجزته الخالدة، ونفس الإشارة تتجه شرقا كذلك لدى مفكري وروائيي روسيا والهند والشرق عامة. في لندن وقبل أيام أصدر قاضي محكمة (أولد بيلي) شارلز هادون حكماً بالسجن 34 عاماً على المتهم بإلقاء قنبلة في قطار للانفاق متجه إلى وسط لندن، أحمد حسن.
وبكل أسف أن مثل هذه الأخبار أصبحت تمر علينا أحاديث مجالس، لكن الجديد في حيثيات حكم القاضي أن على المتهم دراسة القرآن وتعاليم الإسلام في السجن لأن الإسلام دين سلام يحرم قتل الناس!.
حقيقة عند التفكير وتأمل حديث القاضي، تجده عاقلاً منصفاً، فبقدر ما يحمل نقداً وتقريعاً لكل من هو على شاكلة المتهم، كيف أنه يدين بدين السلام ويفعل نقيضه، أخلاقاً وسلوكاً، بقدر ما يظهر احترام هذا القاضي للكتاب الكريم والإسلام الذي يحرم قتل النفس إلا بالحق.
«الإسلام دين ينبذ التطرف والإرهاب ويطالب المسلمين باحترام قوانين البلدان المضيفة، ولقد تلقيت يا أحمد أقسى عقوبة ممكنة في البلاد، لأنك قد انتهكت تعاليم الإسلام والقوانين الحضارية»، هكذا تحدث هذا القاضي إلى أحمد مردفاً «أنت شاب ذكي للغاية، لكن اخترت طريق الكراهية والشر، رغم كل الرعاية التي منحها لك هذا البلد منذ لحظة وصولك».
قوة هذه العبارات حقيقة وأصداؤها المدوية في عقلانيتها وبعدها عن أي نفس عنصري أو تحيز ديني أو حضاري، بل العكس فإنها تحمل من التقدير والاحترام للحضارة الإسلامية ما لم يسبق في نظري أن تحدث بمثلها رجل في مرفق قضائي مشهود له في أم الديمقراطيات كما تسمى بريطانيا.
ومعلوم استقلالية القضاء البريطاني كإحدى السلطات الثلاث، التشريعية وهو البرلمان أو مجلس العموم كما يسمى، والتنفيذية متمثلة في الحكومة برئيس الوزراء وأعضاء حكومته، وسلك القضاء كما هو معروف، يضاف إلى هذه الثلاثة الصحافة العريقة كسلطة رابعة تراقب وتنتقد وتكشف مواطن الخلل في أداء الحكومة إضافة إلى بعدها الاجتماعي والثقافي.
حديث القاضي هذا لم يكن مطلوباً وليس متوقعاً منه في هذه الظروف وفي ظل وقوع أحداث مشابهة في بريطانيا، أو أوروبا عموماً، وفي فورة الرهاب من الإسلام أو كما تسمى الاسلاموفوبيا، وتشويه صورة الإسلام سواء في بلاد غربية أو في منطقتنا عبر هذه الحروب الطاحنة والقتل والتشريد التي لم يستفد منها إلا الصهاينة وأعداء الأمة الصفويون.
عندما يخرج هذا الفتى اليافع المغرر به إذا شاء الله له ذلك من سجنه سوف يكون في الخامسة والخمسين تقريباً، هذه العقود من الزمن قد تغير من تفكيره وشخصيته إن هو استفاد منها في إعادة تقويمهما.
وعند تأمل حديث هذا القاضي الرزين إلى أحمد بقوله «أنت شاب ذكي»، ندرك مدى إنسانية وحكمة هذا القاضي ونظرته إلى حداثة سن المتهم، وأن هذه الكلمات سوف تجد طريقها إلى وجدان وعقل هذا الشاب في سجنه يوماً ما، فما بالك لو أنه بالفعل اتجه إلى القرآن الكريم وأعاد قراءته وتدبره في سجنه، فلن يجد مدرسة أعظم وأجل من كلام الله تعالى، لتعيد إلى نفسه نقاءها وإلى عقله إتزانه، وتكفيه سورة يوسف، إلى اللقاء.