عبدالعزيز السماري
تخوض الأوطان تحديات خارجية وداخلية. والتساؤل الذي دومًا يفرض نفسه: «أيهما يأتي في الأولوية في الاهتمام: البناء والتطوير الداخلي أم التهديد الخارجي؟». وقد مرت بعض الدول العربية والإسلامية بهذا المأزق، وكان الخيار الأسوأ أن تتم معالجة التحديات الخارجية بتجميد الحلول الداخلية. وقد كان هذا أحد أهم أسباب سقوط الأنظمة في بعض الدول.
فالحلول الداخلية يجب أن تأتي في المقدمة، ونجاحها يؤدي إلى تجاوز جميع التحديات بلا تكلفة؛ فالإنجاز ونجاح التنمية ومشاريع التطوير ورفع مستويات حقوق الإنسان تؤدي - لا محالة - إلى الانتصار على التهديدات الخارجية. وقد كانت كلمة السر والحل الاستراتيجي في تفوق نمور آسيا ضد أعدائها؛ فقد أدت القفزات الاقتصادية إلى منح تلك الدول مزيدًا من الاستقرار والتلاحم الداخلي..
بينما خسرت بعض الدول العربية تحدياتها الداخلية، مثل ازدهار التنمية وإنعاش الاقتصاد، وكان المخرج مزيدًا من الأزمات مع الخارج، وأدى ذلك لاحقًا إلى تكالب الأعداء داخليًّا وخارجيًّا، وكانت النهاية مريرة بالرغم من القبضة الحديدية؛ وهو ما يجعل من الوعي بتلك التجارب درسًا لا يُنسى للآخرين من دول الشرق العربي وغير العربي.
ربما هذا أحد أهم الأسباب التي ستؤثر في استقرار الدولة الدينية في إيران؛ فالحكومة الدينية أشغلتها مخاوفها الدفينة، وتعلقها بالماضي وأحقاده مع الآخر، واختارت أن تنقل أزماتها الداخلية إلى الخارج، وإشعال الفتن في الدول المجاورة، بينما كان من الأفضل أن تبدأ إصلاحاتها وإنجازاتها في الداخل؛ فالإنسان الإيراني بمختلف طوائفه وفئاته يعيش في أدنى مستويات العيش، وينتظر لحظة انطلاق شرارة الثورة في المستقبل.
قد تنجح متاريس الحرس الثوري مرات عدة، لكنها ستخفق في يوم لا يتراجع فيه الشعب عن البحث عن مستقبله وحقوقه المدنية. والتاريخ دومًا في خروج الثورات الشعبية يعيد نفسه؛ فالقدر لا بد أن يستجيب إذا أرادت الشعوب يومًا الحياة، كما عبَّر عنها الشاعر التونسي الشهير. منذ الثورة الطائفية وهم يحاولون تصدير الثورة إلى الخارج، بينما تدهور الوضع الداخلي، وتأثر الاقتصاد بسبب ذهاب مقدرات البلاد وثرواته إلى الخارج، وإلى أحزاب مسلحة في الدول العربية المجاورة؛ وكانت النتيجة أن خرجت الجماهير إلى الشارع بعد أشغلوا المنطقة بالفتن والحروب في سبيل أساطير وخرافات دينية..
لهذا السبب أيضًا لا يمكن لوطن أن ينتصر على مخاوفه إلا بتحقيق الانتصار الداخلي أولاً، الذي يقوم على استغلال ثروات البلاد لتأسيس المشاريع الاقتصادية الكبرى، وتطوير التعليم، وضمان الحقوق الوطنية والمدنية للشعوب. وإذا حادت الحكومة عن هذا الخط المهم جدًّا للاستقرار فقد أوقدت أولى شموع الثورة في المستقبل..
ما زالت المؤامرة والمخاوف تحكم العقل السياسي في الشرق المسلم؛ ولهذا يلقي باللائمة على التهديد الخارجي إذا أصبح العجز الداخلي غير قابل للإصلاح نتيجة لفشل ذريع في إحداث النهضة التنموية والتعليمية داخليًّا. وقد أصبحت هذه الحالة السياسية تتكرر في دول الشرق المسلم، وقد يحتاجون إلى معجزة، أو إلى قادة من نوع مختلف، لإنقاذ الأوضاع الداخلية من الوصول إلى درجة التجمد..
ستستمر الفتنة الطائفية بين دول المنطقة، وسيحاول كل طرف الكيد لشقيقه اللدود في ظل الأوضاع الدولية الخطيرة. وما يجري في سوريا مثال حي على ذلك؛ فقد تم استدعاء مختلف الأعداء ليتصارعوا على الأرض العربية. ولو أدرك الرئيس السوري أزمته الداخلية قبل الانزلاق في متاهات الثورة الشعبية والثورة المضادة لربما تجنب الأوضاع الحالية البائسة..
ختامًا، لا يمكن أن ينجح وطن في تجاوز تهديداته الخارجية قبل تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز في مختلف المجالات؛ فالنصر الداخلي يولد هالة من الأمن حول حدود الوطن، وتتحول بمرور الوقت وتوالي النجاحات إلى حدود فولاذية، تستعصي على الأعداء والفاشلين في تجاوزها. فهل تعي دول العرب في الشرق أهمية التنمية والازدهار الاقتصادي والحقوق قبل فوات الأوان؟