عماد المديفر
تدلل العديد من المؤشرات على أن أزمة التلوث ونقص الموارد المائية داخل إيران قد وصلت إلى معدلات كارثية. ولم تعد خطورة تلك الأزمات تقتصر على ما يمكن أن تفجره من مشاكل اجتماعية وسياسية وتهديد للأمن القومي الإيراني، بل صارت تنذر بنشوب نزاعات بين نظام الملالي وعدد من دول الجوار.
فبعد انحسار تهديد داعش في العراق تزايدت حدة النزاعات بين إيران وتركيا والعراق بشأن السيطرة على الموارد المائية في المنطقة. كما أن مساعي طهران للتحكم في الماء المتدفق للعراق قد يعمق حدة الصراعات والمشاكل الداخلية التي تواجهها بغداد. وفوق ذلك قامت كل من طهران وكابول بتراشق الاتهامات حول قضايا المياه مؤخراً. حيث وجه مسؤولون أفغان اتهامات إلى الحرس الثوري الإيراني بتسليح وتدريب مجموعات من طالبان، بهدف عرقلة مشروعات السدود في جنوبي وغرب أفغانستان، وقدموا أدلة ملموسة على الأنشطة التخريبية لعمائم الشر والظلام في طهران داخل الأراضي الأفغانية. وفي حين توجه طهران انتقادات لكابول بشأن بناء سدود تحد من تدفق المياه إلى إيران.. فإنها من جانبها تقوم بممارسات عديدة من شأنها الحد من المياه المتدفقة عبر أراضيها إلى دول الجوار، وخاصة العراق الشقيق.
وفي تبريرها لتفاقم أزمة التلوث ونقص الموارد المائية دأب النظام الإيراني على إلقاء اللوم على الدول المجاورة وسياساتها في إدارة الموارد المائية.
ويتجاهل النظام الإيراني حالات الفساد وسوء الإدارة المستشرية في الحكومة والتي تعد السبب الأساسي لتفاقم أزمات الموارد المائية وارتفاع معدلات التلوث، لا سيما في المناطق الشرقية والجنوبية. كما أن دعم إيران لأطراف إرهابية متطرفة في الخارج أسهم أيضاً في استنزاف الثروات الإيرانية وساعد على تفاقم تلك المشاكل التي صارت تمثل تهديداً مباشراً لحياة عامة المواطنين الإيرانيين المغلوبين على أمرهم.
ففي 27 فبراير الماضي حذر ما يسمى بـ»المرشد الأعلى للثورة الإسلامية» المدعو علي خامئني من أن أزمة موارد المياه المتفاقمة في المنطقة قد تشعل التوتر بين طهران وعدد من جيرانها. وفي خطابه أمام المؤتمر الوطني لدبلوماسية المياه في طهران دعا اللواء رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، إلى حوار مفتوح حول إدارة أزمة المياه مع العراق وأفغانستان وتركيا. وذكر إن إيران تشترك في الموارد المائية مع 12 دولة وأن حل الأزمات إما أن يتم عن طريق الحوار أو من خلال المواجهات العسكرية. وهو ما اعتبرته بعض الأطراف تهديداً مباشراً لها.
وذكر (صفوي) بتحسر وإيحاءات تدعو بعدم الرضا، بأن ثلثي الموارد المائية التي تقدر بنحو 10.2 بليون متر مكعب والمتدفقة خارج إيران تتجه إلى العراق. وكأنه يريد أن يقطع عن العراق الشقيق حقه في موارده الطبيعية من المياه، وألقى باللوم على تفاقم الأزمة على وجود أطراف أجنبية في عدد من دول الجوار، في إشارة منه إلى التواجد الأمريكي في العراق وأفغانستان، وهو ما يعد رسالة تجييش واستعداء واضحة.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يشير فيها مسؤولون إيرانيون إلى أن أزمة الموارد المائية في إيران قد تخلق الأزمات بين طهران وجيرانها. ففي يوليو الماضي اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني عدداً من الدول منها تركيا وأفغانستان بالتسبب في تفاقم الأزمة في إيران، منتقداً قيام تلك الدول ببناء سدود عملاقة دون إجراء مشاورات مسبقة مع طهران. وأكد أن بناء أنقرة للعديد من السدود قد يكون لها تداعيات شديدة الخطورة على تدفق المياه في نهري دجلة والفرات، وأن ذلك سيؤثر بصورة مباشرة على إيران والعراق وغيرهما من الدول. مؤكدا أنه لا يمكن تجاهل مثل تلك التداعيات الخطيرة.
وفي نفس الخطاب انتهز روحاني الفرصة لمهاجمة أفغانستان أيضا. مشيرا إلى أن بناء كابول للسدود في شمال وجنوب أفغانستان سيؤثر على تدفق المياه نحو الأراضي الإيرانية.
وقد قوبل خطاب الرئيس الإيراني بردود أفعال غاضبة من جانب تركيا وأفغانستان. وصرح فاضل كورمان مدير شئون جنوب آسيا في وزارة الخارجية التركية بأن حكومة بلاده شرعت في بناء السدود بعد إجراء دراسات وتقييمات وافية. مضيفا بأن أنقرة ليست مطالبة بتقديم أية ضمانات لطهران. لافتاً إلى أن إيران من جانبها لا تقوم بمشاورة الدول الأخرى، ولا تقدم أية ضمانات حين تشرع في بناء السدود.
من ناحية أخرى جاء رد الحكومة الأفغانية سريعاً وقوياً وصارماً من جانب نائب وزير الطاقة والموارد المائية الأفغاني، الذي دحض مزاعم روحاني وأكد أن الحكومة الأفغانية تدير الموارد المائية وفقاً لمصالحها الوطنية، وبما يتماشى مع الأعراف الدولية. وقد ذهبت وسائل الإعلام الأفغانية خطوة أبعد، حيث كشفت وبالأدلة، ضلوع طهران بدعم مساعي حركة طالبان الصوفية الإرهابية - ديوباندية ما تريدية- لإعاقة مشروعات السدود من خلال أعمالها التخريبية، وبما يضمن التدفق غير المحدود للمياه نحو إيران. وصرح محافظ إقليم هيلمند، جنوبي أفغانستان بأن الحرس الثوري الإيراني يزود طالبان بالأسلحة المتقدمة لعرقلة مشروعات السدود الأفغانية حتى يتسنى لطهران الحصول على قسط أكبر من المياه المتدفق عبر نهر هيلمند..
تجدر الإشارة إلى أن المشاكل البيئية ونقص الموارد المائية كان من بين أسباب اندلاع سلسلة الاحتجاجات والمظاهرات المناوئة للنظام الإيراني في أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018، والتي لا تزال مستمرة بشكل متقطع حتى كتابة هذا التقرير. وفي حين أن المسؤولين الإيرانيين يلقون باللوم على دول مجاورة فيما يتعلق بالمشاكل البيئية؛ إلا أن الفساد وسوء الإدارة داخل نظام الملالي في طهران تقع عليه المسؤولية الأكبر في نشوء تلك المشاكل. ففي الوقت الذي يقوم فيه نظام عمائم الشر والإرهاب بإنفاق بلايين الدولارات سنوياً على شؤون الدفاع ويوجه قدراً كبيراً من تلك الموارد لتمويل حروب خارجية من خلال أذرعه الميليشاوية الإرهابية في المنطقة؛ فإنه من ناحية أخرى لا يهتم بمعالجة المشاكل البيئية المتفاقمة التي تؤثر بصورة مباشرة على حياة عامة المواطنين المغلوبين على أمرهم.