نجيب الخنيزي
تلميذ جمال الدين الأفغاني الإمام محمد عبده، أعاد تأويل النص المؤسس (القرآن الكريم) على قاعدة توافقه مع المنطوق العقلي، فتطرق إلى حقوق المرأة، ومعتبراً «تعدد الزوجات هو من العوائد القديمة التي كانت (كالرق وتسري الإماء والجواري) مألوفة عند ظهور الإسلام ومنتشرة في جميع الأنحاء، يوم كانت المرأة نوعاً خاصاً معتبرة بين الإنسان والحيوان.. فتراه (الإسلام) قد جاء في أمر تعدد الزوجات بعبارة تدل على وجود الإباحة على شرط العدل.. ورغم استمراره على المذهب الحنفي إلى أنه استند إلى المذهب المالكي في تأكيد حق المرأة في العمل (بما في ذلك القضاء) وطلب الطلاق مثلها مثل الرجل، وإزاء موضوع الحجاب كتب ما يلي: «والحق إن الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب، بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده، ويدلنا على ذلك أن هذه العادة ليست معروفة في كثير من البلدان الإسلامية، وأنها لم تزل معروفة عند أغلب الأمم الشرقية التي لم تتدين بدين الإسلام. إنما من مشروعات الإسلام ضرب الخمر على الجيوب (المقصود بالجيوب في لغة العرب هو ما يقع بين الصدور والفخوذ) كما هو في صريح الآية (النور 30-31) وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب.
ويرى الشيخ محمد عبده أن أمر الحجاب في القرآن بمعنى عدم الاختلاط بالرجال أمر خاص بنساء وأهل بيت النبي محمد (ص) من دون عامة النساء، مستنداً إلى الآية الكريمة {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}، حيث يقول «وبالجملة فقد خلق الله هذا العالم ومكن فيه النوع الإنساني ليتمتع من منافعه. وسوى لأي التزام الحدود والتمتع بالحقوق بين الرجل والمرأة من هذا النوع. فكيف يمكن مع هذا لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به مما هيأها له، بالحياة ولواحقها من المشاعر والقوى، وما عرضه عليها لتعمل في الكون المشترك بينها وبين الرجل إذا حظر عليها أن تقع تحت أعين الرجال، إلا ما كان من محارمها؟ لا ريب أن هذا مما لم يسمح به الشرع ولن يسمح به العقل»، ولقد وصل التفكير الإصلاحي الإسلامي ذروته مع تلميذه قاسم أمين (1863-1908) في كتابه «تحرير المرأة» الصادر في عام 1899 وهو مؤلف تفيد بعض المصادر إلى أن الشيخ محمد عبده قد شارك في تأليف بعض فصوله المتعلقة بالجانب الشرعي، كما أبدى تأييده الضمني له إثر صدوره، كما رفض إصدار فتوى ضد الكتاب، بل أشاد به حين صدوره تلميذه الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار (قبل انقلابه الفكري لأسباب عدة بعد سنوات على رحيل الإمام).
وقد استند قاسم أمين الذي جمع بين تكوينه الأزهري وتعليمه الحديث، بين المرجعية الإسلامية، والمرجعية الحديثة، فقد افترض أن العائلة أساس المجتمع، ويرتبط تقدم الأخير بارتقاء المرأة كما رفض اعتبار الحجاب على أن يكون متطابقاً مع الشرع، مذكراً باتفاق الأئمة، على استثناء الوجه والكفين، ووقع الخلاف بينهم في أعضاء أخرى كالذراعين والقدمين، ثم لا يلبث أن يورد في كتابه التالي «المرأة الجديدة» الصادر في عام 1900 حججاً ينسف شرعية الحجاب، حينما يعيده إلى العرق والعوائد، ليصل إلى اعتبار التربية طريقاً إلى العفة، ويفضل الزواج القائم على المحبة، منتقداً تعريف الفقهاء لأنه أفقر التعريف القرآني له وحوله من مقصد الآية {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} إلى ضيق التعريف الفقهي: «عقد يملك فيه الرجل بضع المرأة» بما يستتبعه من أحكام، مؤكداً أن من حق المرأة اختيار الرجل.