د.عبدالله مناع
في الثالث والعشرين من شهر (مارس) الذي ودعنا آخر أيامه.. يوم أمس، وقبل ثلاثة وسبعين عاماً - أي.. في عام 1945م -.. وقعت سبع دول عربية مستقلة.. هي: (مصر والعراق وشرق الأردن وسوريا ولبنان والمملكة واليمن).. على ما عُرف واشتهر - فيما بعد - بـ (ميثاق) جامعة الدول العربية.. بعد أن ثم اتفاق ممثلي الدول السبع على مسمى (جامعة الدول العربية) وليس على مسمى (الاتحاد العربي) أو (التحالف العربي).. وقد كانت الخيارات الثلاث مطروحة أمام ممثلي الدول السبع، وقد تكون هذا (الميثاق) من: (ديباجة)، وثلاث وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق: (الأول) يخص التمثيل الفلسطيني، الذي تقرر تركه - آنذاك - لـ(مجلس الجامعة).. إلى حين (الاستقلال الفلسطيني)!!، و(الثاني).. يخص (التعاون) بين الدول العربية المستقلة.. لـ(مساعدة) الدول العربية غير المستقلة لـ(الحصول) على استقلالها، والملحق (الثالث) يخص الأمين العام للجامعة: السيد عبدالرحمن عزام.. كـ(أول) أمين عام لجامعة الدول العربية.
وقد جاء في (الديباجة): (أن الدول العربية ذات الصلة.. قد وافقت على «الميثاق».. بهدف تدعيم العلاقات والوشائج العربية في إطار من احترام الاستقلال والسيادة.. بما يحقق مصالح عموم البلاد العربية)، كما جاء في (الديباجة) أيضاً: (أن يكون «الثالث والعشرون» من شهر مارس من كل عام، هو يوم الاحتفال بذكرى تأسيس جامعة الدول العربية)..؟!
***
ورغم الخلافات والاختلافات التي سرعان ما أخذت تظهر تباعاً.. بين الزعامات والقيادات العربية مع خمسينات القرن الماضي.. إلا أن (الجامعة العربية) استطاعت أن تعقد خمساً وأربعين قمة عربية - خمسة وعشرون منها: «عادية»، واثنتا عشرة قمة منها: «طارئة».. إلى جانب قمتي: (إنشاص) عام 1946م في مصر، وبيروت في لبنان عام 1956م، وقمة الرياض (السداسية) لبحث ازمة لبنان عام 1976م.. بل واستطاعت أن تساعد كثيراً من الدول العربية على بلوغ استقلالها.. مستفيدة من (المد القومي) الذي قادته مصر الناصرية في خمسينات وستينات القرن الماضي: إن كان في التحرر من بقية الاستعمار (الفرنسي) في الشمال الافريقي - المغرب وتونس والجزائر- أو في التحرر من بقية الاستعمار (البريطاني) في (عدن) و(محميات الخليج العربي) في أبوظبي ودبي والشارقة وأم القوين والفجيرة ورأس الخيمة، وعجمان.. فكانت تؤدي دورها الوحدوي العربي.. بصورة أو بأخرى، رغم فشلها في جلب الاستقلال لـ(فلسطين).. إلى ان سقطت دولة المقر (مصر) في فخ السلام الاسرائيلي المنفرد بـ (التوقيع) مع الارهابي - الاكبر - مناحيم بيجين على سلام كامب ديفيد في عام 1979م، لتغادر (الجامعة) مقرها الدائم في (مصر).. إلى مقر مؤقت في: (تونس).. وليتولى أمانتها العامة وزير الاعلام والثقافة التونسي الأسبق: (الشاذلي القليبي).. الذي أراد أن يحتفل بها في شهر مارس من العام التالي (1980م)، فدعا.. من بين من دعا الشاعر العربي الكبير الأستاذ نزار قباني، الذي لبى «الدعوة».. ليحضر إلى «تونس» وفي معيته قصيدته المدوية: (انا ياصديقة.. متعب بعروبتي).. التي بدأها قائلاً:
(يا تونس الخضراء.. جئتك عاشقاً وعلى جبيني.. وردة وكتاب/
أني الدمشقي الذي احترف الهوى فاخضو ضرت لغنائه الأعشاب)..
ليتساءل بعد ذلك قائلاً:
(من أين أدخل في القصيدة ياترى وحدائق الشعر الجميل خرابُ
لم يبق في دارالبلابل.. بلبل. لا البحتري هنا.. ولازرياب
شعراء هذا اليوم جنس ثالث، فالقول فوضى والكلام ضباب
يتكلمون مع الفراغ فما هم عجٌم إذا نطقوا ولا أعراب).!!
ليصل إلى موضوعه.. قائلاً:
(انا يا صديقة.. متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب
أمشي على ورق الخريطة خائفاً فعلى الخريطة.. كلنا أغراب
لينتهي بعد ذلك.. إلى البحث عن (الخلاص)، وهو يتساءل:
(يا تونس الخضراء كيف خلاصنا؟ لم يبق من كتب السماء كتابُ
ماتت خيول بني أمية كلها خجلاً.. وظل الصرف والإعراب
فكأنما كتب التراث خرافة كبرى فلا عُمرٌ،.. ولاخطاب
وبيارق ابن العاص تمسح دمعها وعزيز مصر بالفصام مصاب
من ذا يصدق أن مصر تهوَّدت، فمقام سيدنا الحسين يباب
ما هذه مصر.. فإن صلاتها عبرية.. وإمامها كذاب).!!
إشارة إلى توقيع الرئيس السادات مع (بيجن) على السلام المنفرد مع (اسرائيل) في كامب ديفيد، الذي أدى إلى القطيعة العربية مع مصر، وانتقال (مقر الجامعة) إلى «تونس».
لقد كانت تلك القصيدة.. بأبياتها الأربعة والثمانين بيتاً.. خير تقرير سياسي عن العرب وجامعتهم وأحوالهم.. يمكن أن يقدم إلى أمين الجامعة العربية التونسي الجديد: الشاذلي من جديد..!؟
ليتواصل.. متقاصراً الاحتقال بـ(ذكرى) ميلاد الجامعة في شهر مارس من كل عام.. طيلة السنوات العشر التي أمضاها (مقر) الجامعة في (تونس)..!؟
***
ولكن مع عودة (المقر) إلى القاهرة.. ثانية عام 1990م، ودخول الألفية الثالثة.. واحتلال العراق أمريكياً في عام 2003م.. كان هناك غياباً (مريباً) لـ(الجامعة) ومجلسها وأمينها الجديد السيد «عمرو موسى»، أكد نفسه بصوره اشد وضوحاً وأكثر مرارة.. مع قدوم عام 2011م، وما سمي - آنذاك - بـ(الربيع العربي).. في كل من (تونس) و(مصر)، و(ليبيا) و(سوريا) و(اليمن)، ومع اختلاف دوافع الصراع على السلطة في كل من هذه الدول.. إلا أن ربيع الحرية الفعلي كان من نصيب كل من (تونس) و(مصر).. أما (اليمن)، فقد أنقذته المبادرة الخليجية أيام الملك عبدالله طيب الله ثراه.. إلا أن الحوثيين بـ(جهلهم) وجوعهم لـ(كل شيء).. انقضوا عليها عام 2014م. لصالح أجندتهم المذهبية التي ترعاها (إيران).. والتي سيرون نتائجها التدميرية في النهاية!!
اما (سوريا) و(ليبيا) فقد كانتا المعيار الحقيقي لـ(ارتباك) الجامعة واضطراب قراراتها، فهي تريد أن تتدخل في (سوريا)، وهي لا تريد ان تتدخل! وهي تريد أن تعلق عضويتها في مجلس الجامعة، وهي لا تريد أن تعلق عضويتها..!! وهو ما جعل الجرح السوري يتسع ويبلغ مداه، ويسيل دماء ودماراً إلى يومنا هذا.. والجامعة ومجلسها يتفرجان!!
ورغم أن الخلاف الليبي/ الليبي.. كان أقل دموية وتدميراً.. إلا أن (الجامعة) ظلت بعيدة عنه.. بينما (الأمم المتحدة) كانت وما تزال تتولاه: مبعوثاً.. بعد مبعوث!؟
***
فإذا لم يشارك أحد.. في الـ(ذكرى) الثالثة والسبعين لتأسيس (جامعة الدول العربية) إلا قلة قليلة من الرسميين والمعنيين إلى جانب موظفي (الجامعة) و(الألكسو) - منظمة التربية والعلوم والثقافة والفنون العربية - وصحيفة أو صحيفتين.. فإن ذلك يعني توجيه رسالة بـ(الحبر الأحمر) كما يقولون إلى (أمانتها).. بعدم حاجة الأمة إلى جامعة.. غائبة عن أخطر أحداثها: بقاء أو زوال دولها..؟! وأنها كي تبقى بحاجة إلى عملية (نقل دم) عاجلة من الافكار والرؤى والأهداف والطموحات فـ(أحلام) وأهداف وطموحات الحاضر العربي اليوم.. تختلف حتماً عن أحلام وأهداف وطموحات أربعينات القرن العشرين..؟!
فـ(إشكالية) الجامعة.. لم تعد - كما كان يتردد في الماضي - في (ميثاقها) وشروط الإجماع الذي كان ينص عليه ميثاقها عند اتخاذ كل قرارتها.. ولكنه امتد إلى (بنية) الميثاق كلها.. التي تحتاج إلى إعادة نظر.. وإلى (تطوير) يخاطب العصر، ولا يتصادم معه!!؟