د. محمد عبدالله العوين
من يعيد لنا أعمارنا التي اغتالت بهجتها وتوقدها وتوثبها وسلاستها وتصاعدها في سلم التطور ومواكبة موجات التحديث في العالم ظاهرة ما عرف بـ»الصحوة»؟ أربعون عاماً سرقت من عمر هذا المجتمع لقد عاش في مرحلة الاختطاف التي ولت حالة قلق وتوجس مما يمكن أن تؤاخذه به المفهومات الأيدلوجية الجديدة الوافدة والمستحدثة من جماعة الإخوان المسلمين وكأن داء حل بمن مسته لوثة فكر الجماعة أشبه بـ»الفوبيا» أو الشكوى من أوهام لا وجود لها حقيقة؛ بل هي مخاوف متخيلة تنبعث من تأنيب أو شعور بالذنب نتيجة توالي التقريع والتخطيء واللوم وتضخيم الأخطاء البشرية الصغيرة التي لا يمكن أن يسلم من الوقوع فيها إنسان بحكم بشريته وعدم ملائكيته أربعون عاما مختطفة ليست سعودية فحسب؛ بل عربية وإسلامية.
ليست الرياض من انقلبت على نفسها فقط؛ بل إن مدناً عربية وإسلامية بدلت لبوسها وتحدث لغة فكرية جديدة ورفعت شعارات لم تألفها من قبل؛ ففي عقود الاختطاف الأربعة لم تعد القاهرة ولا تونس ولا الجزائر ولا المغرب ولا صنعاء ولا كابول ولا مقديشو كما كانت من قبل؛ فكابول كانت الحياة فيها طبيعية جدا وبعد إسقاط نظامها الملكي على يد الشيوعيين 1978م واشتعال الصراع بين الجماعات الدينية انقلبت إلى مدينة أخرى مختلفة كل الاختلاف وكأنها ليست تلك المدينة المتمدنة المتحضرة بجامعتها العريقة فقد تكونت الجماعات المتطرفة وأنشأت فيها دور الضيافة التي كانت تستقبل الشباب العرب ومنهم سعوديون ليلقنوا دروس التكفير ثم يعود من سلم منهم من القتل إلى بلدانهم ليمارسوا ما تعلموه تطرفاً وإرهاباً وهو الأمر نفسه في الصومال حين تكونت الجماعات المتطرفة وأصبح الصراع بينها بعد سقوط النظام العسكري ؛ فتقسمت إلى مناطق قبلية ودينية ونشأت حركة الشباب الإرهابية وأصبحت مقديشيو مدينة الظلام والخراب والتخلف بسبب فتك وهيمنة الجماعات المتطرفة.
تمكنت جماعة «الإخوان المسلمين» من التغلغل إلى مواقع التأثير في الجماهير؛ وبخاصة الشباب فسعت إلى تسريب عناصرها إلى قطاع التعليم والشؤون الدينية والإعلام وهكذا أصبحت كل وسائل التأثير على المجتمع بيدها بعد سنوات من التنشئة والإنضاج لكوادرها منفذة رؤية حسن البنا «التغيير يبدأ من القاعدة» وليتحقق «الانقلاب الإسلامي» وتطبيق «الحاكمية» حسب زعم سيد قطب.
وكان من نتائج التأجيج الفكري والإغراق في تأكيد انحراف المجتمعات والسعي إلى تأكيد أنها لا تعيش الإسلام كما ينبغي ؛ بل هي في «جاهلية» كما نص على ذلك سيد في «معالم في الطريق» وأخوه محمد في «جاهلية القرن العشرين» وهنا بدأت المخاوف من التأثم فغلب شعور بالوقوع في «التدين المنقوص» كما عبر عنه بعض مفكري الصحوة وضاقت مساحة «المباح» أو ما فيه قولان أو اختلاف بين الفقهاء؛ أخذاً بالحيطة والحذر أو سداً للذرائع وتجنب كثيرون ممارسة ما كان طبيعياً قبل هيمنة فكر الجماعة.
يتبع